تسليح الجيش، و”حكاية إبريق الزيت”
بقلم فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان
ويبقى سلاحُ الجيش الأقوى هو شرعية المؤسسة العسكرية القانونية، الوطنية، العربية، والدولية، وهو أقوى وأفعل من الصواريخ البركانية والزلزالية.
أتيحت فرص عديدة لتسليح الجيش، ونذكر آخرها بين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٥، التي حالت دون تحقيقها سياسات الخارج ومصالحه، فأجهضتها على أيدي الداخل:
أولًا: أقرت المملكة العربية السعودية أواخر العام ٢٠١٣ هبة لتسليح الجيش اللبناني بقيمة ٣ مليارات دولار بأسلحة فرنسية جديدة. كانت الهبة غير مشروطة ولا يقيّدها أي مطلب من أي نوع كان.
وُقّعت العقود بين المملكة وفرنسا، ولم يكن على الجيش إلا انتظار استلام الأسلحة التي اختارها دون حظر لأي نوع منها. هذا كان ما حرصت شخصيًا على وضعه كشرط وشددت عليه، بالتنسيق مع المملكة، في محادثاتي مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وقبل إعلان المملكة الرسمي عن الهبة والسير بالعقود.
للأسف، نجح الداخل اللبناني في دفع المملكة إلى إلغاء هذه الهبة في شباط ٢٠١٦، عندما صار الفراغ الرئاسي سيد الموقف، وعندما أُطلقت الاتهامات للمملكة وجرى تخوينها والتشكيك بمواقفها ومناصرة أعدائها! إضافة إلى رفض إعلان بعبدا، الذي أيّدته المملكة ومعظم الدول وتبناه مجلس الأمن.
ثانيًا: أقرت المملكة أيضًا هبة أخرى للقوى الأمنية بقيمة مليار دولار نقدًا، وغالبيتها للجيش اللبناني، في الرابع من آب عام ٢٠١٤، لشراء الذخائر وحاجات القوى العسكرية الملحّة والضرورية للتصدي لداعش واقتلاعها. حصل ذلك عندما دخلت مجموعات داعشية في ٢ آب ٢٠١٤، في “فترة الفراغ الرئاسي”، إلى جرود عرسال وخطفت وقتلت عسكريين. وقد مُنحت هذه الهبة بناءً على طلبي من عاهل المملكة العربية السعودية خلال مكالمته لي مستفسرًا عما حصل في لبنان. “لم أكن في حينه رئيسًا”، ورغم ذلك طلبت منه مساعدة الجيش لتلبية حاجاته الفورية. وقد أنفق جزء من هذه الهبة، ولكن للأسف أُلغي المبلغ المتبقي منها بما قيمته ٦٠٠ مليون دولار في شباط ٢٠١٦، لنفس الأسباب المدرجة في الفقرة الأولى وفي نفس القرار.
ثالثًا: وقّعتُ عام ٢٠١٣ مشروع قانون برنامج لمدة خمس سنوات لتسليح وتجهيز الجيش ضمن اعتماد ٢٤٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠ ل.ل. (مليار و٦٠٠ مليون دولار في حينه)، حيث أقره المجلس النيابي عام ٢٠١٥ بعد أن خُفّض المبلغ إلى ١٣٤٨,٢٠٠,٠٠٠,٠٠٠ ل.ل. (حوالي ٩٠٠ مليون دولار في حينه).
لا أدري كم صُرف منه وكم تراجعت قيمة صرفه بعد انهيار العملة الوطنية.
خلاصة القول: لم تمنع الدول تسليح الجيش، بل عمل الداخل على الحؤول دون فرض سيادة الجيش على كامل الأراضي اللبنانية بحجة أن ليس لديه أسلحة كافية للدفاع عن لبنان، في حين كان الحل السهل والسريع يكمن في تسليم صواريخ فصائل المقاومة بكافة تلاوينها للجيش بعد أيار عام ٢٠٠٠. لذلك، عندما يقرر جميع اللبنانيين ضرورة حصر السلاح بيد السلطة الشرعية وحدها دون سواها، فالسلاح سيأتي دون إبطاء ومن غير تحفظات.