تملّك منزلا بـ7 آلاف دولار فقط، قد يكون للكثيرين حلما يصعب تصديقه، وهو ما أعلن عنه الملياردير ورائد الأعمال إيلون ماسك مؤخرًا، حيث كشف عن إطلاق منزل تيسلا المبتكر بقيمة 7,000 دولار، والذي يهدف إلى توفير مساكن ميسورة التكلفة مع التركيز على حلول مستدامة وصديقة للبيئة. يُعد هذا المشروع لأوّل وهلة خطوة جريئة نحو تعزيز كفاءة الطاقة وتقليل الاعتماد على الموارد التقليدية، إلاّ أنّه وبعد الغوص في تفاصيل المشروع وخفاياه قد تفقد الصورة بريقها.
تم تصميم منزل تيسلا بحسب الشركة، ليكون “نموذجًا مثاليًا للمعيشة المستدامة، يدمج بين أحدث التقنيات والطاقة المتجددة لتحقيق أداء عالٍ وكفاءة كبيرة”. وهذا المنزل مزود بألواح شمسية متطورة توفر طاقة نظيفة ومستقلة، يخزن الطاقة الزائدة عبر نظام بطاريات باور وول لاستخدامها في أوقات الحاجة، مما يضمن مصدر طاقة مستدامًا ومستقرًا. ويتميز منزل تيسلا بمواد عزل عالية الجودة، تقلل من استهلاك الطاقة المستخدمة للتدفئة والتبريد، كما يعتمد على تقنيات بناء صديقة للبيئة تتماشى مع رؤية ماسك لمستقبل أخضر. وبسعره الميسور وتصميمه المبتكر، قد يحدث هذا المنزل نقلة نوعية في توفير مساكن مستدامة للجميع.
مزايا منزل تيسلا
في هذا الإطار، اعتبر رئيس قسم التكنولوجيا الحيوية البيئية في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، د. تحسين شعلة، في حديثه لـ”النهار” أنّ “خطوة ماسك في بناء منازل ذكية وصديقة للبيئة من المبادرات الرائدة في الوقت الحالي، حيث يُعد هذا الحل سحريًا في مواجهة أزمة الإسكان، بالإضافة إلى استبدال المنازل التقليدية بمنازل تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، مما يساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة، ويعزز الاستفادة من الطاقة المتجددة ويحقق نتائج إيجابية من تطبيق الذكاء الاصطناعي”.
وأضاف د. شعلة “تصنيع تلك الأنواع من المنازل بشكل اقتصادي يُعتبر حلاً مبتكرًا للتغلب على الأزمات الناتجة عن التجمعات البشرية، خاصةً خلال انتشار الأمراض الوبائية، بالإضافة إلى تعزيز استدامة الطاقة والوصول إلى صفر انبعاثات كربونية في أسرع وقت ممكن، بما يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية لمواجهة التغيرات المناخية. و تم تصميم منزل تيسلا بهدف تحقيق أقصى استفادة من المساحة المعيشية بشكل مدمج وفعال، مع التركيز على تقليل الأثر السلبي لاستهلاك الطاقة وتأثيره على البيئة”.
ورأى أنّ “هذا المنزل يوفر حلاً مثاليًا للدول الكبرى للمساهمة في مواجهة التغيرات المناخية، من خلال دعم إنتاج وترويج هذه المنازل في الدول النامية، عبر إنشاء فروع لإنتاجها هناك. كما يسهم في مواجهة الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية. علاوة على ذلك، فإن التقنيات المستخدمة في هذه المنازل تُعد نموذجًا رائعًا للتنبؤ بالمناخ وتغيراته، مما يساعد في تقليل الآثار السلبية للتغيرات المناخية على البيئة ويعزز من القدرة على التكيف مع الظروف المناخية القاسية”.
تحديات المشروع
من جهته انتقد الخبير في الشؤون العقارية والتخطيط والاستاذ المحاضر في الجامعات جورج نور في حديثه لـ”النهار” مشروع تيسلا السكني، معتبرا أنّه “في قطاع الإسكان، لا يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لفهم احتياجات البشر، خصوصًا أن السياسات السكنية تعتمد بشكل أساسي على علاقة الفرد بالأرض والمجتمع. في البلدان النائية، المشكلة ليست فقط في التكنولوجيا، بل في ضعف مستوى التعليم، وانخفاض القدرة الشرائية، وإهمال الدولة للفئات الأكثر فقرًا”.
ولفت نور إلى أنّ “أحد التحديات الكبرى في مشاريع الإسكان منخفضة التكلفة هو أنها قد تخلق تفرقة طبقية بين المناطق السكنية للأغنياء وتلك للفقراء، مما يضعف السياسات الاجتماعية للدولة. إضافة إلى ذلك، فإن صيانة هذه المنازل المعتمدة على الطاقة الشمسية والتقنيات المتطورة قد تكون معضلة كبيرة، مما يثير تساؤلات حول إمكانية تأمين صيانة مستدامة لها.”.
الاعتماد على حلول إسكانية كهذه يفرض على الأفراد العيش بعيدًا عن المدن والحضارة، في مناطق معزولة قد تفتقر إلى الأمان والخدمات الأساسية، برأي نور، مما يخلق فجوة اجتماعية ويعزل فئات كبيرة من المجتمع.
وشدد على أنّ “هذه السياسة ليست سوى وسيلة للمطورين العقاريين لتحقيق أرباح أكبر من خلال إخلاء مواقع استراتيجية وإعادة تطويرها لمشاريع فاخرة، بينما تُترك الفئات الأقل حظًا في مشاريع سكنية رخيصة لا تحمل أي ضمانات قانونية أو مستقبل مستدام. كما تؤدي هذه السياسات إلى خلق مجتمعات تفتقر إلى الكرامة الإنسانية والطموح، مما يعيق مساهمتهم في التنمية الاقتصادية”، مضيفا “إن الحلول المؤقتة، رغم بريقها الانتخابي، لا تعالج جذور المشكلة، بل تزيد من تعقيدها على المدى الطويل”.
ما نحتاجه هو رؤية شاملة تعتمد على سياسات إسكانية متكاملة تنفذها الدولة، تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الإنسان الأساسية مثل التعليم، الصحة، الغذاء، والماء، بالإضافة إلى خلق مساكن اجتماعية تضم مختلف الطبقات الاجتماعية، يقول نور، مضيفا “لا يمكن حصر الحل في المنازل الفردية، بل يجب استثمار الأرض بطرق تساهم في تحقيق تنمية مستدامة، تدمج التكنولوجيا في التطوير العقاري لصالح المجتمع بأسره.”.