مقدمة
من الأمور العجيبة أنني ربما أكون الوحيد في الطائفة الشيعية الذي يحق له أن يفرح بسقوط بشار الأسد، خاصة أنني قاومت الوصاية السورية على لبنان منذ عام 1988. وما قمت به لم يكن مجرد رأي أو موقف، بل تجربة مريرة عشتها، بدءًا من اعتقالي في البوريفاج عام 1994 بسبب نشاطي العوني، مرورًا بنضالي لرفع يد حافظ الاسد عن لبنان، وصولًا إلى توقيفي في 25 فبراير 2005 بعد انتقادي تدخل النظام السوري في شؤون لبنان والعراق.
رغم معارضتي القوية للنظام السوري بالكلمة والموقف، لم أتدخل يومًا في الشأن السوري الداخلي. ومع ذلك، ليس مطلوبًا من الإعلاميين الذين كانوا يدافعون عن الأسد أن يبرروا فجأة انقلابهم عليه، أو أن يدّعوا أنهم يتبنون مواقف جديدة.
بشار الأسد أصبح من الماضي. اليوم، سوريا الجديدة هي التي تختار قياداتها، ولا يحق لأحد التدخل في خياراتها.
كما يتوجب على المقاومة أن تطلب من الطاقم الإعلامي القديم الخروج من المشهد، كما خرج بشار الأسد. بل قد يكون من الضروري إغلاق الفضائيات التي فقدت سبب وعلة وجودها، خاصة الفضائيات التي تكلف ملايين الدولارات، والتي أساءت لصورة المقاومة أكثر مما دعمتها. فقد تبين أن هذه الفضائيات الكبيرة نجحت في تقليب الرأي العام العربي والإسلامي، خاصة في سوريا بدلًا من كسب دعمه.
أما الأبواق الإعلامية التي حرّضت على المعارضة السورية في السابق، فلا يمكنها الاستمرار بنفس الأسلوب اليوم، لأن ذلك قد يُعتبر إعلان حرب على الحكومة السورية الجديدة وعلى الشعب السوري الذي اختارها.
كماتخلي هؤلاء الإعلاميون الآن عن بشار الأسد، يثبتون أنهم مجرد مرتزقة مال وشهرة، لكن الشهرة التي تُبنى على التحريض مكلفة للغاية.
وظهور هؤلاء على إعلام المقاومة أو غيره يُعدّ تحديًا واستفزازًا للشعب السوري والحكومة السورية الجديدة. وحتى لو أعلنوا انقلابهم على بشار الأسد، فإن الشعب السوري سيعتبر ذلك استهزاءً بذاكرته المثقلة بالمعاناة.
تبرير هؤلاء الإعلاميين لانقلابهم على بشار الأسد بحجة مصلحة المقاومة والبيئة، هو ادعاء لا يقنع أحدًا. مصلحة المقاومة تتطلب الابتعاد عن هؤلاء النفعيين والوصوليين، الذين أساؤوا لدماء الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن سوريا ولبنان، وليس عن نظام بعينه.
ظهور هؤلاء الإعلاميين واستمرار هذه الفضائيات قد يُشكّل خطرًا كبيرًا على المقاومة بشكل خاص، وعلى لبنان بشكل عام. فلا أحد يعلم، قد تُقدم الحكومة السورية على اتخاذ إجراءات دبلوماسية اومواقف سياسية بسبب هؤلاء الإعلاميين، أو حتى تقطع العلاقات وتغلق الحدود، مما سيؤدي إلى منع مرور البضائع عبر البر. هذا سيضع ضغوطًا كبيرة على المقاومة، وقد يُسبب لها إحراجًا يصعب تجاوزه.
بسبب هؤلاء الاعلاميين قد يصبح من الصعب زيارة الشيعة للاماكن المقدسة في سوريا، اضافة الى انعكاس الظهور السلبي لهؤلاء الاعلاميين حتى على الشيعة في الداخل السوري.
الا يكفي هؤلاء الاعلاميين والفضائيات ما تسببوا فيه للمقاومةوبيئتها بسبب البحث عن الشهرة على حساب كل شيء..
الحكومة السورية الجديدة تسعى لبناء سوريا مختلفة، والشعب السوري اختار قياداته، ويجب احترام هذا الخيار. استمرار الفضائيات في إظهار نفس الوجوه الإعلامية، يذكّر بحقبة ماضية مثيرة للجدل.
الخطاب الإعلامي والسياسي للمقاومة يحتاج إلى إعادة تقييم شاملة. لا يمكن الاعتماد على وجوه فقدت دورها مصداقيتها واستهلكت كل شيءحولها، من اجل الشهرة. يجب أن يكون الإعلام أداة بناء تعكس تطلعات المقاومة وبيئتها، وتتكيف مع المتغيرات الجديدة في المنطقة.
الطاقم الإعلامي القديم أصبح منبوذًا ليس فقط من السوريين، بل حتى من غالبية اللبنانيين. يكفي أن يظهر أحد هؤلاء الإعلاميين على الشاشة حتى يواجه موجة من الغضب والانتقادات، وبعد الفظائع التي ظهرت في السجون السورية، أصبح الرأي العام السوري والعربي، وحتى العالمي، ضد كل من يذكّر بتلك الحقبة القاسية.
خاتمة
أدعو الله أن يحمي المقاومة من زيف هؤلاء الذين يهددون بإفساد كل ما بُني بدماء الشهداء وتضحيات الأبطال. حان الوقت لإعادة ترتيب المشهد الإعلامي والسياسي، بما يضمن استمرارية المقاومة على أسس من الصدق والكفاءة.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي موقع سانا نيوز شكرًا على المتابعة.