اخبار ومتفرقات

الذكاء الاصطناعي يوضح ألاسباب لماذا الشيعة قد يدفعون الثمن سياسيا ووجوديا بعد الزلزال الذي اصاب المنطقة.

منذ الانهيار الكبير لما كان يُعرف بمحور المقاومة، وما تبعه من انعكاسات على الطائفة الشيعية اللبنانية، وأنا منشغل بالبحث عن أسباب هذا الزلزال العنيف الذي أصاب المنطقة، وتحديدًا الطائفة الشيعية.

دوافع البحث

السبب وراء هذا البحث العميق هو أنني منذ سنوات أكتب عن سيناريوهات مماثلة، وأحذر من هذه الانهيارات والأخطار التي قد تدفع الطائفة الشيعية ثمنها على المستويين اللبناني والسلطوي، وحتى الاجتماعي.

بعد مراجعة استمرت لأكثر من أسبوع، تبيّن لي أنني ربما كنت الوحيد الذي يغرد خارج السرب ويتحدث بعكس السائد. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا استطعت أنا رصد هذه الأخطار بينما عجز الآخرون عنها، رغم أعدادهم الكبيرة وقدراتهم الهائلة وعلاقاتهم المباشرة مع قيادات المحور؟ ولماذا تم إقصاء أمثالي عن المشهد السياسي والإعلامي؟

اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي

عندما عجزت عن الحصول على أجوبة شافية، لجأت إلى الذكاء الاصطناعي وناقشته في هذه الأسئلة. فكانت إجابته التي استوقفتني هي: “ابحث عن انتماء الشخصيات، وقد تعرف الأسباب أكثر”.

تحليل الانتماءات

عند البحث في انتماءات الوجوه الإعلامية البارزة في محور المقاومة، وجدت التالي:

الأستاذ سالم زهران: قومي سوري اجتماعي. صرّح في لقاء على قناة “الجديد” بتاريخ 7 مايو 2013: “أنا كمواطن لبناني سوري قومي اجتماعي عربي ومسلم بالمعنى الأشمل”.

الأستاذ علي حجازي: ينتمي إلى حزب البعث السوري.

الأستاذ حسين مرتضى: خريج جامعة دمشق، ومقدّم برامج على القناة الإخبارية السورية قبل أن يصبح مدير قناة العالم في سوريا.

الأستاذ رفيق نصرالله: قومي عربي.

الأستاذ غسان بن جدو: تونسي، ينتمي إلى تيار إسلامي.

الأستاذ يحيى أبو زكريا: جزائري ينتمي إلى تيار إسلامي.

تأثير الانتماءات على المحور

الغالبية العظمى من هذه الشخصيات تنتمي إلى تيارات دينية، حزبية، أو فكرية أممية وقومية، وبعضها من حركات يسارية وشيوعية، أو إسلامية غير شيعية. وعليه:

الأيديولوجيات الأوسع: أيديولوجيات هذه الشخصيات تتجاوز حدود الطائفة الشيعية اللبنانية، بل وحتى لبنان نفسه. وبالتالي، صراعهم مع العدو الإسرائيلي كان أوسع وأشمل من التفاصيل الصغيرة التي تمس الطائفة الشيعية في لبنان.

التفكير الضيق مقابل الرؤية الشمولية: بينما كنت أفكر ضمن نطاق الطائفة الشيعية والجغرافيا اللبنانية، كانت هذه الشخصيات ترى المشهد من منظور إقليمي ودولي أوسع واشمل للصراع مع اسرائيل فكانت تنظر الى كل ما يجري في لبنان والصراع على السلطة وحقوق الطوائف انه تفصيل صغير في شمولية الصراع الكبير.

وعندما نضع هذا التحليل والتشريح في الجانب السياسي على قياس لبنان يمكننا أن نفهم لماذا نجحت السياسة والإعلام الماروني المسيحي في الدفاع عن قضاياهم، حيث ركزوا على قضاياهم فقط، ورفضوا الذوبان في أي مشروع أوسع. بالمقابل، سخرت الطائفة الشيعية قدراتها لخدمة مشروع أكبر، ما أدى إلى تلاشي دورها وذوبانها في المنطقة والاقليم الممتد من اليمن حتى البوسنة مما جعل الطائفة الشيعية تتحمّل الثمن بمفردها.

“بمعنى اوضح ان الطائفة الشيعية اخذت على عاتقها تحمل عملية الصراع مع العدو الاسرائيلي والقوى الدولية والاقليمية الداعمة له على مساحة هائلة ضمن امواج واعاصير سياسية كبرى في العالم، مما جعل كل هذه القوى الدولية والاقليمية تعلن الحرب على الطائفة الشيعية اللبنانية التي تعتبر العامود الفقري في هذا الصراع الاقليمي الدولي”.

وهذا ما يوضح الدعم الدولي والغطاء الاممي لشراسة الهجوم الاسرائيلي واستخدام الاسلحة الفتاكة والتكنولوجيا المتطورة في المعلوماتية والعسكرية، ضد المقاومة الاسلامية في لبنان. ومنها تفجير اجهزة الاتصالات بالالوف من اعضاء المقاومة بسابقة كادت ان تطيح بالاقتصاد الرقمي العالمي، وصناعة الهواتف الذكية، اضافة الى قصف مربعات جغرافية صغيرة للغاية بمئات الاطنان من المتفجرات الشديدة الاختراق والتدمير، التي ادت الى استشهاد السيد نصرالله والسيد صفي الدين.

لكن رغم هذا المتغير الاقليمي في السياسة والعسكر والجغرافيا، بعد سقوط حزب البعث في سوريا واعلان الحكومة الجديدة انها ليست على عداء مع اسرائيل، وتدمير غزة ودخول العدو الاسرائيلي جنوب لبنان واغتيال بعض قادة محور المقاومة، يظهر ان الاقليات الاسلامية ان كانت شيعية او غلوية هي التي ستدفع ثمن الصراع مع الكيان الاسرائيلي، لانه من ينتمي إلى التيار القومي السوري الاجتماعي أو القومية العربية، أو يحمل فكرًا يساريًا أو شيوعيًا، لا يتأثر كما يتأثر الشيعة في لبنان والعلويين في سوريا. يعود ذلك إلى أن هؤلاء يتمتعون بانتماء ديني أوسع إذا كانوا من السنة، أو بغطاء دولي إذا كانوا من المسيحيين. حتى في حال هزيمة مشروعهم أو تأخر دورهم السياسي، فإنهم لا يتأثرون وجوديًا أو كيانياً بنفس القدر الذي يعانيه الشيعي والعلوي، بسبب عوامل ديمغرافية وعددية وأسباب دينية تعود إلى مسار التاريخ.

كما ان من ينتمي إلى الحركات الإسلامية أو تيارات الإخوان المسلمين، فلا يتأثر بشكل كبير أمام أي تغييرات تحدث في المنطقة، لأنه ينتمي أساسًا إلى الطائفة السنية، التي تُعتبر الطائفة الام والأساسية في العالم العربي.

لتوضيح هذه النقطة: إذا خسر الإخوان المسلمون أو أي تيار فكري أو حزبي ينتمي إلى الطائفة السنية دورهم السياسي أو سلطتهم، فهذا لا يعني أن دور الأمة السنية انتهى، أو أن وجودها واقتصادها وحقوقها مهددة.

بالمقابل، عندما يخسر أي حزب شيعي او علوي أساسي دوره في السلطة، فإن ذلك ينعكس بقوة على هذه الطوائف وجوديًا وكيانياً.

امام هذا الواقع والمتغير الاقليمي الذي يوصف على انه الزلزال او تسونامي وانا اتحدث واكتب كشيعي لبناني محكوم بالهوية الطائفية في عالم عربي واسلامي هكذا يصنف المجموعات البشرية، فانه لا يجوز تحميل الطائفة الشيعية وحدها مسؤولية التصدي للمشاريع الإقليمية والدولية الكبرى لان هذا الامر غير منصف من بقية الدول في الاقليم. فالصراع مع العدو الإسرائيلي، كما الصراعات الإقليمية الأخرى، ليست معركة تخص طائفة بعينها وان تحملتها الطائفة الشيعية، بل هو صراع يمس جميع الأطراف في المنطقة على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية.

كما لا يجوز للنخب الوطنية اللبنانية والقومية والاسلامية ان تتخلى عن دعم الطائفة الشيعية اللبنانية التي لعبت على مدار العقود الماضية، دورًا محوريًا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة ان الطائفة الشيعية لم تحصر هذا الدور فيها على انه مسؤولية حصرية لها، والدليل انها شاركت كافة الاطراف الأخرى المعادية لاسرائيل، سواء كانت قومية أو دينية أو سياسية، لذا، فإن النظرة الأحادية التي تضع العبء الأكبر على الطائفة الشيعية يعتبر ظلم وتخلي من قبل النظم العربية والاسلامية عن احد مداميك القوة في مواجهة المتغيرات المستقبلية التي ربما تنقلب فيها الصورة على الجميع.

كي لا نكرس ونثبت التجارب الطائفية حيث تتحول كل طائفة في الوطن العربي الى وطن مستقل، يجب إن تعزيز شراكة وطنية شاملة، قائمة على توزيع متوازن للأدوار والمسؤوليات، مما يُخفف من الأعباء التي تتحملها طائفة واحدة دون غيرها. ففي نهاية المطاف، لا يمكن أن تبقى أي طائفة وحيدة في مواجهة التحديات التي تفرضها التحولات الإقليمية والدولية، مما يفرض خيارت صعبة قد تؤخر التسويات الوطنية.

اكرر خاصة في لبنان حيث يجب ان تكون الشراكة مبنية على المصالح المشتركة والتفاهم الوطني المتبادل بعد ان قدم جزء من الشعب اللبناني قسطه الى العلا في الدفاع عن حقوق ومكتسبات العالم العربي والاسلامي، ومن الضروري أن تدرك القوى المسيحية والسنية، وحتى التيارات اليسارية والقومية، أهمية الوقوف صفًا واحدًا مع الطائفة الشيعية في مواجهة الأخطار الكبرى التي تهدد هذه الطائفة مما يهدد صيغة كيان لبنان بأكمله، خاصة ان الطائفة الشيعية اللبنانية دفعت من لحمها ودمها ثمن موقفها وخياراتها دون ان تكلف الاخرين اثمان حتى لو جزئية.

كما ان المتغير في الشرق الاوسط الذي يبدو على انه شرق اوسط جديد بقرار عالمي اكبر من امكانيات وطاقات وقدرات المنطقة مجتمعة، يفرض على الشعب اللبناني أن تكون الأولوية لتعزيز الهوية الوطنية المشتركة التي تُعطي لكل طائفة مساحة آمنة للتعبير عن مصالحها، دون أن تشعر بأنها تتحمل العبء الأكبر. هذه الهوية يمكن أن تكون الحصن الذي يحمي لبنان من التأثيرات السلبية للصراعات الإقليمية والدولية القادمة.

الختام
إن مواجهة التحولات الإقليمية تستوجب صياغة استراتيجية لبنانية شاملة، تُشارك فيها كل الطوائف والقوى السياسية على قدم المساواة. هذا لا يعني تجاهل الخصوصيات التي تميز كل طائفة، ولكنه يتطلب إدراكًا مشتركًا أن لبنان، بمكوناته المتنوعة، يحتاج إلى تماسك داخلي يحميه من تأثير الصراعات الخارجية.

ويجب على القوى اللبنانية حتى التي على خصومة مع المقاومة ان تدعم الطائفة الشيعية كي تستمر في لعب دورها الفاعل، ضمن إطار وطني شامل يضمن توزيع الأدوار بشكل عادل. بهذا الشكل، يمكن حماية مصالح الجميع والحفاظ على وحدة لبنان وتماسكه في وجه التحديات.

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي موقع سانا نيوز شكرًا على المتابعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى