السياسية

السيد علي فضل الله :ندعو إلى موقف لبناني موحد في مواجهة ما يقوم به العدو الصهيوني

ألقى سماحة  العلامة  السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما دعا إليه رسول الله(ص)، عند حديثه عن الأسلوب الذي ينبغي أن يتعامل به المجتمع المؤمن بعضه مع بعض، عندما تواجهه التحديات وتشتد به الأزمات…

فقد قال: “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى”.

فالمجتمع المؤمن في منطق رسول الله(ص)، هو الذي يسند بعضه بعضاً، ويقوي بعضه بعضاً، ويشد بعضه أزر بعض، ويرحم بعضه بعضاً، بحيث إذا تألم أحدهم أو عانى أو احتاج الكل يتألمون له ويخففون عنه كربه وغمه وبلاءه ويسدون حاجته، ولا يدعونه يواجه ما يواجه وحده، وبدون ذلك ينزع عنهم رسول الله(ص) صفة الإيمان وعنوان المجتمع المؤمن.

إننا أحوج إلى الأخذ بهذا السلوك الإيماني الذي به نكون أقوى وأشد وأقدر على مواجهة التحديات…

والبداية مما لا زلنا نعاني منه من العدو الصهيوني، حيث يستمر هذا العدو بخرقه لاتفاق وقف إطلاق النار عبر الطلعات الجوية بالطائرات المسيرة أو الحربية التي تجوب المناطق اللبنانية كافة أو التفجير للمباني السكنية والتي تجاوزت القرى التي احتلها العدو في خلال عدوانه إلى قرى كان قد عجز عن الوصول إليها بفعل صمود المقاومين وتضحياتهم كالذي جرى في الناقورة أو بني حيان، فيما لا يزال العدو يماطل في تنفيذ المرحلة الأولى بالانسحاب الكامل والتي كان من المقرر أن يتم في الخيام، ما يسمح للجيش اللبناني بالانتشار التام فيها وعودة الأهالي إليها.

يجري كل ذلك على مرأى ومسمع من اللجنة المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار، بل هناك تفجيرات للمنازل كانت تجري على مقربة من مكان اجتماعها في الناقورة، من دون أن تحرك ساكناً أو تتخذ أي إجراء يردع العدو عن التمادي في خروقاته، ما بات يلقي بظلال الشك عن مدى جدية هذا العدو بالتطبيق لقرار وقف إطلاق النار، ومدى جدية الدول الراعية لهذا القرار بالقيام بمسؤولياتها في الضغط على هذا الكيان، وكأن المطلوب هو وقف إطلاق النار من جانب واحد وهو الجانب اللبناني.

إننا أمام ما يجري نحمل المسؤولية للجهات الراعية للاتفاق بأن تضغط على هذا الكيان للتطبيق الكامل لبنوده، وعدم تركه رهينة تفسيرات العدو والذي لا يزال يعتبر أن الاتفاق يعطيه الحق في استهداف أي موقع يرى فيه تهديداً لكيانه وفي أي وقت وحتى بعد الستين يوماً من وقف إطلاق النار، فيما يحرص الجانب اللبناني على القيام بكل واجباته في تنفيذ هذا القرار والالتزام به.

وهنا ندعو إلى موقف لبناني موحد في مواجهة ما يقوم به العدو الصهيوني، والذي هو مس بسيادة البلد لكل الحريصين عليها، وعدم السكوت عن ذلك أو تبريره لصالح العدو حتى يشعر أنه لا يستهدف طائفة أو موقعاً سياسياً بل هو يستهدف كل اللبنانيين بكل طوائفهم ومذاهبهم ومواقعهم السياسية وأن مسألة السيادة لديهم لا تتجزأ، وأنه ليس صحيحاً أن يتم التعامل معهم من موقع أنهم مهزومون وضعفاء.

في هذا الوقت، يستمر العمل على إزالة آثار العدوان برفع الركام الهائل الذي يغطي مساحات كبيرة في الضاحية والجنوب والبقاع رغم النقص الكبير في القدرات البشرية والمادية والتي لا بد أن يتم توفيرها للإسراع بذلك، ما يسمح بعودة الأهالي والمؤسسات والمحال التجارية إلى العمل، فيما يعاني المواطنون الذين فقدوا بيوتهم أو تضررت من توفير أماكن سكن لهم انتظاراً لإعادة إعمارها أو إصلاحها، أو لارتفاع بدلات الإيجار.

ومن المؤسف أن نجد من يستغل مدى الحاجة إلى الاستئجار لرفع البدلات بما لا طاقة لهم على دفعها…

وهنا لا بد من أن نقدر التقديمات التي بادرت الجهات التي تتولى مساعدة المتضررين إلى تقديمها شعوراً منهم بواجب الوفاء لتضحيات هذا الشعب، والتي ينبغي أن تواكب من قبل الدولة المعنية بمواطنيها رغم وعينا للظروف التي تعاني منها وحجم المتطلبات، لكن هذا لا يعفيها من أن تتحرك باتجاه الدول الصديقة للبنان والقادرة على مساعدته سواء على صعيد التعويضات أو للإسراع بالإعمار.

ونصل إلى سوريا التي نأمل وكما ذكرنا سابقا ان يعم فيها الأمن والاستقرار الذي أخذته القيادة الجديدة على عاتقها، ولكن تبقى الخشية من الذين يدخلون في خط هذا البلد لإثارة الفتن الطائفية والمذهبية والقومية والعرقية والفوضى وباعتماد سياسة الثأر وتصفية الحسابات بدلاً من حكم القانون، والخشية كل الخشية من العدو الصهيوني الذي يكشف كل يوم عن أهدافه الخطيرة في العمل لانتزاع ما بقي من عناصر القوة فيه لتحقيق ما يطمح له من أن تكون له اليد العليا في تقرير مصيره، وهو الأمر الذي نأمل مواجهته بكل السبل المتاحة التي تضمن لهذا البلد وحدته وقوته ليكون قادراً على مواجهة الأخطار التي تحدق به، وأداء دوره الريادي على صعيد المنطقة والعالم.

ونبقى في اليمن، لنحيي الشعب اليمني على الدور الذي قام ويقوم به بمساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة المجازر اليومية التي يتعرض لها أهل غزة التي يندى لها جبين الإنسانية، ويبذل لأجل ذلك التضحيات مما شهدناه أخيراً في العدوان الصهيوني عليه والذي تسبب بسقوط العديد من الشهداء والأضرار التي أصابت البنية التحتية لهذا البلد…

ونحن على ثقة بأن هذا العدوان لن يزيد الشعب اليمني إلا تصميماً على الاستمرار بمساندته لغزة وقضايا الامة ووقوفه مع المظلومين فيها.

وأخيراً، ندعو الدولة اللبنانية إلى القيام بدورها تجاه مواطنيها لتأمين كل الظروف المادية وغير المادية، التي تضمن الإسراع بعودة النازحين من العراق بسبب الحرب على وطنهم بعد توقف الخطوط الجوية العراقية عن المجيء إلى لبنان.

زر الذهاب إلى الأعلى