من أقسى الاضطرابات النفسية وربما إلى حدّ اللعنة شعور المرء برفض انتمائه إلى محيطه إلى جماعته وحتى إلى اهله.
لا يكتفي برفض انتمائه والرحيل بل يشنّ هجوما كاسحاً لتحطيم هيكل الانتماء كلّه ولا يرضى ولا يكتفي بل يشمت ويسخر بأي مأساة تصيب جماعاته.
هؤلاء اكثر الناس قابلية للخيانة وعن هؤلاء عادة تبحث المخابرات لتجنيدهم ضد بلادهم.
الدولة ليست الوطن والنظام ليس البلاد والتجربة والخيبة والفشل الذاتي ليست البيئة الحاضنة مسؤولة عنه ولو كان المجتمع مجتمعا طائفيا بغيضاً يكرّه الناس بعضها بعضاً.
المضطرب بهويّة انتمائه يسقط كل خيباته على والديه ويحملهما المسؤولية كاملة فإن كان أحد والديه يعاني ايضا من هوية الانتماء فالاضطراب يتعمق اكثر إلى حدّ تغيير الدين او البحث عن جنسية اخرى او هجرة البلدة إلى بلدة مختلفة الانتماء واللون ويجهد ان يتزوج من فتاة من غير ملّته لعله يرتاح بحال تغيرت الاسماء والألوان وحتى يغير الاله الف مرّة.
يحاول تغيير كل شيء إلا أن يغيّر دماغه المضطرب.
الميل الدائم لتفجير ما حوله ليس غير ميل واضح لتفجير الذات لعلّه يختار تكويناتها بنفسه.
عادة ما يكون هؤلاء غير راضين عن اشكالهم،يجدون بشاعة في وجوههم وفي أجسامهم،يحمّلون الام والاب المساكين مسؤولية ولادتهم القبيحة الشكل وفق قناعاتهم هم وليس بالضرورة وفق الواقع.
بإمكان امرءٍجميل يعاني من أزمة هوية الانتماء أن يرى نفسه قبيحاً.
عناد هؤلاء و عدم رضاهم وتذمّرهم الدائم يواكبهم افتراءات غريبة مهما حاول الآخر توضيح الامور لهم لا يصدّقون الا احقادهم ضد أنفسهم اولا وضدّ أهلهم وجماعاتهم ثانيا وضد بلادهم ثالثا.
لا ينفع معهم إثبات.
يزعجهم جداً المتصالح مع اهله وجماعته ومجتمعه ويتهمونه بالسذاجة.
دائما الآخر المختلف باللون والاسم والانتماء يعيش حياة افضل ودائما اسمه ولونه ودينه وطائفته هم سبب تعاسته .
رغم ذلك لا تجدهم الا وسط بيئتهم يشمتون ويشتمون.
يميل هؤلاء للاحزاب والعقائد التدميرية لبنية المجتمع ككل او إلى الثقافة العبثية التي تسحر في البدايات الا ان النهايات معها سيئة.
لا يعرف العبثي البناء ولا يكمل مشروعاً واحدا في النهارخطط وحكى عنه طيلة الليل حتى إن ناقش في موضوع بدأه جيدا انما انهاه بلا خاتمة متصله مع البدايات.
ضياع.
المضطرب في هويّة انتمائه عبثيّ يدّعي الإصلاح و مدمّر يدّعي بناء الأفضل.
لا يزعجه ان يدمر العدو بلاده لانّه يجد في ذلك انتقامه الشخصي ضد بيئته.
المضطرب في هوية الانتماء لا يُعجبه العجب إذ تأففه غير مبنيّ على تجربة شخصية بل على شعور داخلي عميق بالانتقام.
لا ينفع معهم منطق في حديث لأنهم سيعودون للفكرة وللحديث نفسه بعد يوم او اسبوع او حتى بعد سنة.
الحاقد النرجسي العبثي المدمّر لا ينسى بل ينتقم حتى لو هاجر إلى السويد او إلى كندا او الى استراليا او الى فرنسا وحمل جنسية البلاد تجد تعليقاته عبر ادوات التواصل لصعوبة التواصل مع أبناء جلدته هناك ضد بيئته شامتا و واعظا ومعلماً وموحياً بالاستعلاء وهو يعيش هناك في عزلة ولم يعترف احداً له هناك بأي تمايز وبأي أهمية مما يزيده اكتئاباً وعدوانية وضد من؟ ضد بيئته التي تخلى عنها وهجرها .
وكأنه يعيش هنا وهو يسكن هناك بعيدا خلف البحار.
من خلف البحار يشجع ترامب ليدمر له ناسه ليشمت وينتقم لنفسه.
كره اسود مستتر لوالديه ولجدّيه.
ترفض بيئتك ارحل عنها وانساها!
لا يستطيع،يريد الشماتة والسخرية والانتقام.
عندما يهجرون بيئتهم ويتنصلون من اسمائهم ومن انتمائهم ولا يشعرون بالرضى والسعادة حتى لو تحسنت أحوالهم المادية فإنهم سريعا ما يدمنون على الكحول او ما شابهه كتعبير أخير عن سخطهم وعن تحدّيهم لكل الاعراف .
يبحثون عن تألق كاذب.
من أسباب عدم الرضى عن الذات مع شعور بالانتقام من الآخر مردّه لسقوط صاحبه في فخ القدرات والامكانيات الضعيفة أمام طموحات وتمنيات بعيدة منذ طفولته ومردّه لشعور ان اترابه أجمل منه والمعلمات يهتمينّ بزملائه ويهملوننه لانه غبي وقبيح ولأن لإسمه دلالات تجعلهن يمقتونه،كل ذلك كي لا يعترف ان اترابه أذكى واكثر اجتهادا او اكثر هضامة ولطفا منه.
يحصل ان تكون الجماعة والبيئة الاجتماعية سيئة الا ان المرء السوي يحاول إصلاحها لا تدميرها.
هذا هو الفارق .
“يتبع”
#د_احمد_عياش.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي موقع سانا نيوز شكرًا على المتابعة.