اخبار ومتفرقات

ناجي امهز يعايد اللبنانيين عامةً، والمسيحيين خاصةً، على طريقته.

أتقدّم إلى اللبنانيين عامةً، والمسيحيين خاصةً، بأحرّ التهاني وأطيبها بمناسبة ولادة المخلّص الفادي يسوع المسيح.

قال جبران خليل جبران: “لم يجيء يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الألم رمزًا للحياة، بل جاء ليجعل الحياة رمزًا للحق والحرية.”

إخوتي اللبنانيين عامةً، والمسيحيين والموارنة خاصةً، لقد عشت معكم وترعرعت بين نخبتكم، وحملت من أفكاركم، ولم تبخلوا عليّ بتعليم أسراركم. صنعتم مني عقلًا سياسيًا قلّما يخطئ في السياسة. لكن ما عاشه المسيحيون وتعلّموه، وهم الممتدّون على مساحة المعرفة في فهم الأسرار الدولية منذ القرن الخامس عشر، لم يكن متاحًا في السابق لغالبية العالم العربي، وحتى اليوم. لذلك، معرفتكم هي سرّ قوّتكم وثباتكم على مواقفكم، لأنكم داخل أروقة صناعة القرار العالمي، مما يجعلكم تنظرون إلى الحقيقة كأنها ماثلة أمامكم.

أنا الذي ناضلت منذ عام 1988 حتى اليوم، وقد اعتُقلت وعُذّبت من قبل نظام الأسد، سعيد مثلكم بانتهاء هذا النظام الذي حوّل سوريا من بلدٍ رائدٍ في الديمقراطية إلى بلدٍ شمولي.

عندما كنا نجتمع سرًا في بعض البيوت، كانت النخبة المارونية لا تتحدث فقط عن تداعيات نظام الأسد على لبنان وحده، بل كانت تخشى أن تصبح بلاد الشام كلها تعيش الشمولية. وكان نضال المسيحيين ليس لهزيمة الأسد ونظامه فقط، بل أيضًا لتحرير السوريين أنفسهم من نيران العبودية والاستزلام، ومنع أن تتحول الديكتاتورية إلى إله تعبده الشعوب المستضعفة بلا حول ولا قوة.

كما أن النخبة المارونية تحدّثت عن اللعنة التي أصابت لبنان بسبب دوره الريادي، والذي تريد إسرائيل إزالته لأنه ينافسها في السياسة والسياحة والتعليم والطبابة وحتى الزراعة.

“من الأسرار التي أنشرها لأول مرة”:

في عام 1996، دعيت كضيف شرف لأحد الجلسات التي ألقى فيها خطيب مسيحي من آل خباز خطبة تناولت قيام دول عربية تحت هيمنة الديانة اليهودية. تناولت الخطبة والجلسة التي امتدت لأكثر من أربع ساعات عدة محاور، أبرزها: كيف يمكن للمسلمين أن يحاربوا إسرائيل وهم ينسبون أنفسهم كأبناء عمومة لنبي الله إبراهيم؟ وكيف تم دمج العهد القديم بالعهد الجديد، مما جعل المسيحي يؤمن بأحقية إسرائيل وقيام هيكل سليمان؟

كما تطرق الخطيب إلى دور النخب المستنيرة في محاربة هذه الأفكار التي قد تُدمّر تطور البشرية نحو الإنسانية الكاملة، مشددًا على أن الإنسانية تعني المساواة المطلقة، حيث لا يوجد “يهودي مختار” أو إنسان أفضل من آخر بسبب انتمائه الديني. وأكد أن العقل والكرامة يرفضان هذه الفكرة؛ فلا يوجد إله يقبل بها، ولا إنسانية تقبل أن يكون أحد أفضل من الآخر لمجرد دينه أو عرقه.

وقال الخطيب أيضًا، مستشهدًا بحديث لأحد الإخوة المصريين الذي التقى الرئيس أنور السادات وسأله عن السلام مع إسرائيل، فرد السادات قائلاً:

“السلام لا يكون إلا مع عدو قوي لا تستطيع مقاتلته. والسلام هو اعتراف بالعداوة، أما أنا والشعب المصري فلن نُطبع في أي وقت مع إسرائيل.”

وأضاف السادات: “السلام يعني العداوة، والتطبيع يعني الاستسلام.”

تخيلوا، بعد أكثر من 40 عامًا، عاد الحديث عن التطبيع مع إسرائيل. ولكن مصطلح “التطبيع” ظهر لأن إسرائيل لم تعد تريد السلام، بل تطمح إلى فرض التطبيع. هنا برز دور المسيحيين، خاصة اللبنانيين، الذين كشفوا هذه التناقضات بمقاومتهم المصطلحات اللغوية، وبتفاصيل عقلية دقيقة وفلسفة عميقة ومتجذرة عن العداء مع إسرائيل.

لذلك، عندما نتحدث عن فئة تجرأت وواجهت وقاومت إسرائيل بأرواحها ولحمها وبالبارود والنار، فهذا يعني أننا نحترم هذه القوة والإيمان الكبير بأن الحق هو الذي يصنع هذا الإصرار الذي لا يمكن هزيمته.

هكذا هو دور المسيحيين في هذا المشرق العربي: بناء وطن مستلهم من تعاليم يسوع التي جاءت لتحرير الإنسان. لأن الإنسانية تجمعنا جميعًا تحت مظلّة العدالة الاجتماعية، حيث نتساوى أمام الحقيقة.

وإذا كان الموارنة خاصةً، والمسيحيون عامةً، قد ناضلوا لقيام عدالة اجتماعية وديمقراطية حقيقية بسبب موازين الاعداد والارقام في العالم العربي، فالأجدر أن يكون هذا النضال اليوم من أجل لبنان، وأن يسعى المسيحيون بكل جهدهم لإقامة وحدة وطنية على أسس الديمقراطية، وتطبيق الدستور، ونهوض لبنان من جديد كبلدٍ رائدٍ ومزدهر.

جميعنا جرفنا الشعور بالقوة والزهو بالسلطة والقدرة على السيطرة، لكن في الختام جميعنا تجرّعنا نفس الكأس من الألم والحزن على الأثمان الباهظة التي دفعناها من أرواحنا.

جميعنا كانت غايتنا نبيلة بعيدا عن الاساليب او الفئة التي تصدرت المواجهة، لانه بالختام كانت لحظة رفع العلم اللبناني، هي اللحظة التي تخفق لها قلوبنا وترفرف معه ارواحنا، وتدمع العيون على ارض عمدت بالدماء، دماء كل الطوائف اللبنانية.

في الختام، لا الشيعي قاتل وقدم فلذات أكباده، وقطع من لحمه، ودمرت منازله من أجل إيران، ولا المسيحي اعتقل، أو نُفي، أو قُتل من أجل فرنسا، أو أمريكا، أو الفاتيكان، جمعينا هتفنا لبنان لبنان لكن كل منا باسلوبه.

لا مكان للتشفي من بعضنا، ولا الحديث عن المكاسب. المهم أن نتقدم إلى الأمام، رافعين علم لبنان، منشِدين: “كلّنا للوطن.”

هذا الوطن الذي أنجب أعظم ما في هذا الشرق، وهو الشعب اللبناني العظيم، الذي كان قبلة العالم العربي ومحجّة العالم الغربي، من قبر أحيرام وخشب الأرز في بناء أول هيكل، إلى بناء النظم والقوانين والأعراف التي تناقلها العالم عن العشيرة اللبنانية.

ميلاد مجيد وعام سعيد.

كل عام وأنتم بخير.

ناجي امهز 2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى