احمد محمود، يكتب:
يوماً بعد يوم، يزداد توتر الأوضاع بين قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ “قسد” وهيئة تحرير الشام التي تسيطر على السلطة حالياً بدمشق بقيادة أحمد الشرع. ووسط جو التوتر السائد، يُلاحظ اتجاه الأمور نحو الصدام العسكري بين الجانبين.
وبحسب بعض المراقبين فإن تصريحات وزير الدفاع في الإدارة السورية الجديدة مرهف أبو قصرة، ورئيس “الإدارة الذاتية” لشمال شرق سوريا مظلوم عبدي في اليومين الماضيين توحي بتوتر أمريكي تركي، وفشل المفاوضات بين الطرفين، وارتفاع مستوى التوتر مما يزيد من احتمالية الصدام العسكري بين الطرفين.
اشتباكات متفرقة تهدد بتوسع رقعة الصراع
في سياق متصل، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مقتل 8 من عناصرها، خلال المعارك في مناطق شمال وشرق سوريا، وتحديداً في منطقة سد تشرين وجسر “قره قوزاك”. وبحسب بيان لـ “قسد” نقلته دي دبليو الألمانية: “ارتقى 8 من مقاتلينا شهداء، بعد أن قاوموا الاحتلال التركي ومرتزقته حتى النهاية”.
كما أفاد تلفزيون “سوريا” بسقوط قتلى وجرحى في صفوف “قسد”، أثر هجمات بالأسلحة الرشاشة استهدفت سيارة عسكرية ومقرات وحواجز لقسد في ريف دير الزور، وسط توتر أمني كبير في المنطقة.
وتداولت حسابات على منصة “إكس” مقاطع مصورة تظهر آليات ثقيلة، قالت إنها تابعة لإدارة العمليات العسكرية، تتحرك باتجاه مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا، بهدف إطلاق عملية عسكرية كبيرة ضدها. بينما تتواصل المواجهات العنيفة بين قوات “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة، و “قسد” في عدة محاور شرقي حلب (بصكير وريف بلدة عين عيسى)، أسفرت عن قتلى وجرحى دون تقدم أي طرف.
وبحسب مصادر ميدانية فإن مقاتلي “قسد” بريف حلب يتلقون دعم استخباراتي ومساعدة عسكرية كبير من واشنطن ودول التحالف في مواجهة الفصائل المدعومة من تركيا، وهذا ما يعزز صمودهم.
وبحسب خبراء، فإن شراسة المواجهات، في ريف حلب رغم دعوات “قسد” لتنظيم مؤتمرات حوارية لوقف إطلاق النار، تشير إلى إصرار تركي على القضاء على “قسد”. وبحسب مصادر عسكرية محلية، فإن “قسد” مدعومة أمريكياً وغربياً، ولاتزال تتلقى الدعم وتنسّق بشكل مباشر مع حزب “العمّال الكردستاني” كما أنها لم ولن تفك الارتباط به، وهو ما يهدد الأمن القومي التركي.
تصعيد متبادل بالتصريحات
في سياق ذو صلة، صرّح وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، لوكالة رويترز، في 19 ديسمبر الجاري، بأن الإدارة السورية الجديدة ترفض احتفاظ القوات الكردية بسلاحهم، والبقاء كتكتل خاص منفصل داخل القوات المسلحة السورية. مشيراً إلى أن قائد قوات “قسد” مظلوم عبدي يماطل في تعامله مع المسألة.
من جهة أخرى، أكد عبدي، في مقابلة خاصة مع “العربية/الحدث”، أن قواته لم تقرر تسليم السلاح ولا حل نفسها، كما أنه لم يتم دعوتهم لاجتماع دمج الفصائل بوزارة الدفاع، لذا فالاجتماع لا يعنيهم. مشيراً، إلى أنه ضد فكرة وجود جيشين في سوريا. وقال إن العلاقة مع قائد الإدارة الجديدة الشرع تحددها الأفعال لا الأقوال. وهاجم عبدي تركيا قائلاً بأنها “تريد احتلال مدينة عين العرب كوباني لتوحيد مناطق سيطرتها في شمال شرق سوريا/ كما أن تركيا تريد السيطرة على كل سوريا”، مؤكداً على استمرار “المعارك في سد تشرين”. وبشأن القوات الأميركية في سوريا، أوضح أن وجودها مهم لتقريب وجهات النظر. وقال: “نحن مع بقاء القوات الأميركية في سوريا”.
وبحسب الباحث المتخصص في الشؤون التركية والسورية سعدلله الجبان فإن تصريحات أبو قصرة وعبدي تشير إلى عدم اهتمام أميركا وتركيا بأي اتفاقات أو تفاهمات بين “قسد” والإدارة السورية الجديدة، بل على العكس هذه مجرد مسرحيات إعلامية، لأن أنقرة وواشنطن كل منهما على حدى يدعم الفصيل الذي ينفذ مصالحه على الأرض، وما يثبت ذلك، هو تمسك “قسد” بسلاحها بدعم أمريكي مباشر، إلى جانب استعدادها لمواجهة تركيا نفسها، وليس فقط قوات الإدارة الجديدة. كما أنها تشير إلى فشل المفاوضات بين قسد والإدارة السورية الجديدة، وتزيد من احتمالية المواجهة العسكرية بين الطرفين.
باستخدام “قسد”.. واشنطن لن تسمح بسيطرة تركية على سوريا
وفقاً للباحث بشؤون الشرق الأوسط سعيد أحمد السالم، فإن واشنطن والغرب لن يسمحوا بسيطرة تركيا على سوريا، ولا يريدون ذلك، وهذا ما أكده عبدي بتصريحاته. وبحسب السالم، فإن واشنطن تملك كثيراً من أوراق القوة في سوريا مما يسمح لها ليس فقط بالضغط على تركيا بل حتى إزاحتها من المشهد بشكل كامل، حيث أن واشنطن لديها أكراد سوريا وتركيا، المعارضة التركية، العلويين في تركيا، النفط السوري، وإسرائيل. كل هذه أوراق قوة أمريكية تهدد الأمن والاستقرار التركي.
وأشار السالم، إلى أنه واشنطن حالياً تستخدم ملف النفط وملف العقوبات الاقتصادية والأمنية على سوريا، للضغط على حكومة الشرع المدعومة تركياً. فحكومة الشرع بحاجة ماسة للنفط، وللتخلص من العقوبات من أجل النهوض باقتصاد البلاد واستمرارية حياة الناس وتركيا لا تستطيع أن تقدمهم له، بينما واشنطن يمكنها ضمان تبادل النفط والحبوب بين مناطق سيطرة الأكراد والمحرر.
إلى جانب ذلك، أكد السالم بأنه يمكن لواشنطن أن تضغط على إسرائيل، بل يمكنها أن توعد الشرع بإيقاف التوغل الإسرائيلي في عمق الأراضي السورية، والذي يعتبر مشكلة كبيرة بالنسبة للحكومة السورية الجديدة. أما تركيا لا تستطيع فعل ذلك بمواجهة اسرائيل.
ووفقاً لـ السالم اختلاف الأهداف والمصالح التركية والأمريكية في سوريا يمثل تهديد فعلي استراتيجي لاستقرار ووحدة سوريا كبلد من المفترض أنه يمر الآن بمرحلة انتقالية حسّاسة تتطلب ظروف مناسبة واستقرار وتوافق شعبي ودولي.
وتنظر تركيا لـ “قسد” على أنها “منظمة إرهابية”. على الرغم من محاربة قسد لـ “داعش”، ومساهمتها الفعّالة في القضاء عليه.