أدّت الحرب إلى خسائر فادحة على مختلف الأصعدة، تاركةً وراءها مشاهد دمار مرعبة، خاصة في المناطق الجنوبية التي شهدت أعنف المواجهات. لم تقتصر الأضرار على البنية التحتية فحسب، بل امتدت لتشمل الاقتصاد، حيث تجاوزت الخسائر المالية حاجز الـ10 مليارات دولار.
وفي هذا السّياق، باتت جهود إعادة الإعمار على طاولة الحكومة، وسط مساعٍ محلية ودولية لإعادة الحياة إلى المناطق المنكوبة وتحقيق الاستقرار والتنمية من جديد.
وزير المال: خطة إعادة الإعمار قيد البحث
في غضون ذلك، ترأس رئيس الحكومة نواف سلام، بعد ظهر أمس، اجتماعًا في السراي الحكومي ضمّه إلى وفد من البنك الدولي برئاسة المدير الإقليمي جان كريستوف كاريه وشارك فيه عدد من الوزراء. وخُصّص للاطّلاع على مشروع تقرير مسح الأضرار النّاجمة عن الحرب الإسرائيلية والخطة الأولية لتمويل مشاريع إعادة الإعمار.
وقال وزير المال ياسين جابر: “كان الاجتماع مع رئيس مكتب لبنان وخبراء في البنك الدولي واللجنة الوزارية التي تبحث في موضوع الإعمار، فالبنك الدولي أعدّ دراسة أوّلية لمشروع إعادة الإعمار تتركّز بشكل أساسي على البنى التحتية وإزالة الركام الموجود اليوم في المناطق، وخصوصًا في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، وكلفة المشروع نحو مليار دولار، وسيقدّم البنك الدولي 250 مليون دولار، ولكن بمجرد إقراره هذا المبلغ من المؤكّد انّه ستكون هناك مساهمات من دول أخرى، من اجل السير قدماً في المشروع”.
واضاف: “كلنا يعلم أنّه في العام 2024 حصل تراجع في النشاط الاقتصادي، ممّا يُعتبر خسائر غير مباشرة، الامر يحتاج إلى جهد حتى نستطيع تحضير أنفسنا بسرعة لإنجاح المشروع، الذي من الممكن ان يُعرض أواخر آذار على مجلس إدارة البنك، وفي هذا الوقت يكون لبنان قد حضّر مؤسساته لمواكبة هذا المشروع”.
51 ألف وحدة مدمرة تمامًا
من ناحية أخرى، يشير الباحث في شركة “الدولية للمعلومات”، محمد شمس الدين، إلى أنّ “عدد الوحدات السكنية المتضررة بشكل بسيط أو متوسط يبلغ 317 ألفًا، فيما يبلغ عدد تلك المتضررة بالكامل 51 ألفًا؛ بينها 9 آلاف في الضاحية الجنوبية، و1500 وحدة في البقاع، و22 ألفًا في منطقة الشريط الحدودي”.
وعن تكلفة الأضرار جرّاء الحرب، يلفت شمس الدين، في تصريح لـ”الشرق الأوسط”، إلى أنها “ما بين 8 و10 مليارات دولار، وهذه التكلفة لا تشمل أضرار المؤسسات الصناعية والتجارية”، مضيفاً: “أما تكلفة أضرار البنى التحتية فتقدر بـ700 مليون دولار، وتكلفة رفع الأنقاض في حدود 35 مليون دولار”.
ويوضح شمس الدين: “إننا لا نزال في مرحلة رفع الأنقاض، بحيث يتولى مجلس الجنوب رفع الأنقاض في الجنوب، واتحاد بلديات الضاحية رفع الأنقاض في الضاحية الجنوبية، والهيئة العليا للإغاثة في البقاع وباقي المناطق”، مشيراً إلى أنّه “جرى تأمين أموال للترميم، وقد دفع حزب الله بدل إيواء لمدة سنة للعائلات التي دُمرت منازلها الأساسية، وبالتالي بعد انتهاء هذه المهلة، سنكون أمام أزمة حقيقية إذا لم تبدأ إعادة الإعمار خلال الأسابيع المقبلة”. وأضاف: “كما أن هناك 100 ألف شخص هُجّروا من القرى الحدودية ولم يعودوا إلى منازلهم”.
11 مليار دولار لإعادة الإعمار
من جهته، يعتبر الباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور محمود جباعي أنّ “الرؤية أصبحت أقرب إلى الواقع في موضوع الأرقام، على الرّغم من أنه لم تحدث بعد عملية مسح كامل وشامل لتحديد حجم الدمار والخسائر”، مرجِّحًا، في تصريح لـ”الشرق الأوسط”، أن تتراوح تكلفة الإعمار “ما بين 10.5 و11 مليار دولار”، مقدّرًا “الخسارة في النّاتج المحلّي بما بين 3 و3.5 مليارات دولار. وهذه الخسارة يمكن تعويضها مع عودة حركة النشاط الاقتصادي”. ويضيف جباعي: “كما أن هناك مؤسسات وشركات أفلست وأقفلت، وهذه خسارة تتراوح ما بين مليار ونصف وملياري دولار”.
وعن حجم الدمار، يقول جباعي: “أشد المناطق تعرّضًا للدمار هي نحو 40 بلدة عند الحافة الأمامية، أما حجم الدمار فيتساوى تقريبًا في الضاحية الجنوبية، وصور، والنبطية، ومناطق البقاع”.
ويقر جباعي بأنّ “عملية إعادة الإعمار لن تكون سهلة؛ لأن المبلغ المطلوب كبير، كما أنّ هناك في المنطقة بلدين آخرين مدمّرين؛ هما: سوريا حيث تصل تكلفة الإعمار فيها إلى مئات مليارات الدولارات، وغزّة حيث تفوق التكلفة 55 مليارًا”.