
وانت تشارك في دفن عزيز او صديق أو قريب ،تدفن حقبة من العمر المشترك،تدفن موّال الفرح وموّال اللوعة معاً،تكتشف أنّ ما ظننته خلافاً او اختلافاً او موقفاً جذرياً او حقداً او حتى ثأراً ليس غير وهمٍ تافه لا قيمة له…
نعرف ونستمرّ بالتناطح،لا احد يفسح الطريق للآخر،كلّ واحد منّاً يظنّ انّ الله خلقه وكسر قالب الخلق من بعده.
يعلم الجميع أنّ البكاء غير مجدٍ ولا يعيد ميّت إلى الحياة،لأنّ الناس مشبعة بالحزن ما عادت تبكي عند جثمان اب او ام او اخ او اخت.
الناس هنا ذرفت دموعها في أمكنة كثيرة وفي أوقات متقاربة ومن موعد مع وجع إلى موعد مع ألمٍ،الناس مشبعة بالاحزان ما يجعل وفاة اي كان أمر طبيعي وعادي وكأن شيئاً لم يحدث.
في الماضي كان للجنازة رهبتها ،كان النحيب والعويل والبكاء إشارات لمأتم ولبيت مفجوع.
العمر لا يستحق ابداً وجود الحمقى والسماسرة وأهل الثرثرة والتجارة والمكيدة والحيلة والجريمة.
الحياة لا تحتمل وجود قادة مجرمين لا همّ لهم غير إشعال الحروب وبث سموم الفتن ونشر الموت.
العمر أقصر بكثير مما نعتقد.
اقلّ من رمشة عين و من وقوف جنّ و من نقل عرش من اليمن إلى فلسطين بعد ولاية من هدهدحتى ولو بهمّة الإله.
ما دخل صالة تقديم التعازي رجل منتصب القامة،مرفوع الهامة،اغلب الناس مطعوجين إمّا يمينا او يساراً،إمّا إلى الخلف او إلى الامام،حتى الذي نناديه “كابتن رياضة” يلقي التحية بصعوبة و تجاعيد وجهه اكثر من تعرجات صخرة الروشة .
وحده مَن لا يرى الكآبة الجماعية في الوجوه وفي سوء اختيار الوان وتناسق الثياب ينجو من مذبحة العقول والمشاعر والتعاطف.
ربما الموت والحياة لعبة الهية لمقاومة السأم والضجر الربّاني.
ربما اختبار.
ربما امتحان.
ربما لسنا غير ممثلين كومبارس في مسلسل حلم ربّ.
لعبة ان يولد وان يحيا وان يموت الإنسان بحاجة لإعادة قراءة متأنية لمعرفة الجدوى والهدف.
لعبة ان نولد وان نكبر وان نُردَّ لأرذل العمر أجدها غير مسلّية وغير ممتعة ما دامت تنتهي بالموت حتى لو كان الموت حقّ…
ألم الفراق ثم الغياب وجع وجوديّ يدفع بنا إلى أسوأ الاحتمالات الا احتمال ان نعيش بفرح و وئام من دون دجل ونفاق.
د.أحمد عياش
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.