اخبار ومتفرقاتالسياسية

اسرائيل تحاسب وليد جنبلاط على موقفه من القضية الفلسطينية.

من الصعب توضيح ما يجري سياسيا للعالم العربي والإسلامي، خاصة أن الكثيرين يكتفون بالعناوين دون التعمق في التحليل، مما يعكس محدودية الفهم السياسي لدى البعض.

عند تحليل السياسات والصراعات الإقليمية والدولية، غالبًا ما يتم التركيز على العدد والتسلح والمساحة لتحديد من سيربح ومن سيخسر، بينما الحقيقة أكثر تعقيدًا. فقد يكون لشخص واحد تأثير يوازي تأثير دول بأكملها في المعادلة الدولية، وليس بالضرورة أن يرتبط هذا التأثير بالثروة أو النسب، بل بالفكر السياسي والمدرسة السياسية التي ينتمي إليها.

في عام 2002، حضرت لقاءً تحدثت فيه شخصية سويسرية عن المخططات العالمية، بما في ذلك حرب العراق قبل وقوعها، والتطورات السياسية، وصراع المذاهب، والاتجاه الذي يسير نحوه العالم. كما تطرقت إلى مكانة شخصيتين في المنطقة العربية آنذاك: وليد جنبلاط والملك عبد الله ملك الأردن.

في ذلك الوقت، لم أستوعب تمامًا أبعاد هذا الطرح او افهم من هو وليد جنبلاط على المستوى العالمي كونه في تلك الفترة لم نسمع ان وليد جنبلاط التقى مع الرئيس الامريكي او الفرنسي او شخصية عالمية، فقد كان لبنان في حقبة الوصاية السورية مغيب عن المحافل الدولية.

كما كان يُعتقد أن زعامة جنبلاط تعود إلى نجاحه في حماية نفسه وجماعته من خلال تأمين السلاح أو التحالفات الداخلية، أو بسبب الدعم السوري، خصوصًا من قبل حافظ الأسد. 

لكن الأحداث أثبتت أن الحقيقة أكثر تعقيدًا، وان زعامة وليد جنبلاط ليست بسبب اتباعه والسلاح، فالدروز أقلية صغيرة، ولو كان الأمر كذلك، لكان كل من يملك قوة عسكرية في العالم العربي زعيمًا. كما أن زعامته لم تكن مجرد نتاج دعم حافظ الأسد، بل لأن الأسد أدرك مكانة جنبلاط الدولية، فدعمه سياسيًا.

كما شهدنا سقوط العديد من الزعامات، بما في ذلك زعامات إقليمية وحتى سقوط وانتهاء زعامة بيت الأسد، بينما ظل وليد جنبلاط محافظًا على مكانته. 

والدليل الأكبر على دوره ومكانته. انه رغم الحروب والصراعات والانقلابات والمتغيرات في التحالفات، لم يتعرض الدروز لأي ضربة قاسية أنهت دورهم، كما حصل مع قوى فلسطينية ومسيحية ويسارية وإسلامية. وكأن هناك عوامل غير مرئية ساهمت في حماية الدروز من تداعيات المتغيرات.

حتى خلال الحرب السورية عام 2011، حين شهدت معظم المناطق السورية فوضى ودمارًا وتهجيرا واسعًا، بقيت المناطق الدرزية شبه محمية. 

واليوم، من الواضح أن الدروز يتمتعون بحماية دولية، وهذه الحماية ترتبط بشخص وليد جنبلاط، الذي يزوره قادة عالميون كبار مثل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والرئيس الأمريكي جو بايدن وغيرهم.

 وزيارة شخصية مثل بايدن أو هولاند ليست زيارة عادية، بل تتطلب إجراءات أمنية معقدة تشمل حماية جوية وبحرية وبرية، وتأمين المجال الجوي. كل هذا من أجل لقاء جنبلاط، مما يثبت مدى أهميته على الساحة الدولية.

كما ان جنبلاط لا يتحدث فقط للحديث فالسياسيون المحنكون يدركون تمامًا لماذا قال وليد جنبلاط إن إسرائيل تسعى لاستخدام الطوائف لمصلحتها وتفتيت المنطقة، وأن “الذين وحّدوا سوريا أيام سلطان باشا الأطرش لن يستجيبوا لدعوات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”.

الجميع يعرف ان إسرائيل تحاول إنشاء زعامة درزية في سوريا لمنافسة جنبلاط، لكن القوى الكبرى في العالم تدرك أن ذلك غير ممكن.

 كما لا يُستبعد أن تكون إسرائيل قد دفعت ببعض الميليشيات العسكرية المنتشرة في سوريا تحت مسميات مختلفة لتهديد الوجود الدرزي، بهدف خلق مبرر لتدخلها، ليس فقط لحماية الدروز، بل لتمزيقهم وعزلهم عن بيئتهم السورية، مما يحرمهم من التمثيل السياسي والاجتماعي الحقيقي.

لكن كلام نتنياهو لا يمر على العقلاء في الطائفة الدرزية لانهم يدركون ان حكومة نتنياهو تريد تحويلهم إلى بيادق ومجندين في الجيش الإسرائيلي . 

نتنياهو يريد جيشًا من الدروز يقاتل به العرب، لانه يجهل أن الدروز هم العرق العربي الأصفى والأفصح، وأنه حتى لو لم يبقَ عربي واحد من بقية الطوائف، فالدروز يمثلون جوهر العروبة في أنقى صورها. فالدروز حافظوا حتى على دمائهم وجيناتهم العربية من خلال الانساب (الزواج).

أما وليد جنبلاط، فهو يريد للدروز العرب أن يكونوا في صفوف المدافعين عن القضايا العربية ضد إسرائيل. لهذا قال كلمته بالامس: “ويا أهلاً بالمعارك”، دفاعًا عن وحدة سوريا.

جنبلاط يعمل على بناء قوة درزية حقيقية، تضمن استمرار وجودهم ودورهم الفاعل والريادي في العالم العربي. والموحدون الدروز يدركون حيثما يكون وليد جنبلاط، تكون وحدتهم وقوتهم ودورهم في الحاضر والمستقبل بناء على دورهم التاريخي بمحاربة الاستعمار والاحتلال وصد الغزوات عن المنطقة. 

بقلم ناجي علي أمّهز 

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى