
المقدمة
ان سبب كتابة المقال هو للتوضيح ماذا يجري في المنطقة، وايضا من اجل افهام البعض بان لا يذهبوا بعيدا شعور زهوة الانتصار وان هناك فريق خاسر وفريق رابح،
بل من خلال هذا المقال الذي يسمى بـ(اللعبة الصفرية) ساوضح شيء هو ابعد من التحالفات الثابتة، ويتمحور حول تقاطع المصالح وإعادة ترتيب الأولويات وفقًا للظروف.
في عالم السياسة الدولية، لا تعني التحالفات الظاهرة دائمًا تأييدًا مطلقًا، فالعلاقات بين الدول تخضع لحسابات دقيقة تحكمها المصالح المتشابكة. قد يكون عدو عدوك حليفًا مؤقتًا، كما يمكن أن يتحول الحليف إلى عدو إذا تغيرت معادلات القوة.
يعود هذا الامر الى التوازنات المعقدة في السياسة الدولية، إيران تقف في مواجهة داعش، وكذلك أمريكا تعلن أنها تحارب التنظيم ذاته. فإذا اندلعت حرب بين إيران وداعش، فإن واشنطن ستجد نفسها تلقائيًا في موقف يدعم إيران، ليس بسبب التنسيق بين الطرفين، ولكن لأن انتصار داعش سيمثل هزيمة استراتيجية للولايات المتحدة.
الأمر ذاته ينطبق على الحرب بين إيران وإسرائيل، تدعم أمريكا إسرائيل بقوة، لكنها لن تسمح لها بهزيمة إيران كليًا، تمامًا كما لن تسمح لإيران بالقضاء على إسرائيل.
اما السؤال لماذا لا يمكن هزيمة إيران؟
من منظور النظام العالمي، تمثل إيران عنصر توازن لا يمكن المساس به دون تداعيات خطيرة. فهزيمتها تعني انهيار حاجز جغرافي واستراتيجي يمنع تمدد الحركات المتطرفة من باكستان وأفغانستان إلى الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى موجة فوضى قد تصل إلى أوروبا نفسها. الشعوب الأوروبية، التي لم تعتد على الصراعات الدموية كما هو الحال في الشرق الأوسط، لن تتمكن من الصمود أمام انتشار التيارات الجهادية المتطرفة.
النظام العالمي يبذل كل ما في وسعه للتقرب من إيران أو التحالف معها، بهدف إيقاف حربها ضد إسرائيل. إذ إن توقف إيران عن هذه الحرب يعني أن النظام العالمي سيحقق سيطرة مطلقة على الشرق الأوسط، إضافة إلى عزل روسيا والصين عن المشهد السياسي العالمي.
أما إذا استمرت إيران في موقفها المطالب بزوال إسرائيل وإخراج الولايات المتحدة من المنطقة، ووجد النظام العالمي نفسه في مواجهة مباشرة معها، فلن يكون ذلك عبر صراع تقليدي، بل من خلال حرب كبرى تستهدف محيطها الإقليمي أولًا، مثل باكستان وأفغانستان والدول العربية، وذلك لضمان عدم نشوء فراغ جيوسياسي يسمح بانتشار التطرف الإسلامي.
بمعنى أوضح، زوال إيران يعني تغييرًا جذريًا في منطقة الشرق الأوسط.
وهذا ما تحدث عنه بنيامين نتنياهو فيما يُعرف بـ”الشرق الأوسط الجديد”. وما يقوم به نتنياهو الآن في سوريا، وما قام به في لبنان وغزة، هو محاولة لإيصال رسالة إلى النظام العالمي مفادها: “أنا أسعى للتخلص من إيران، وفي الوقت ذاته أضمن لكم تفكيك العالم العربي والإسلامي، بحيث لا يبقى أي تهديد محتمل لأوروبا من قبل الاكثرية الاسلامية في المنطقة.
نتنياهو انطلق بعملية تقسيم الدول العربية وتحويلها إلى كيانات متناحرة. مثال على ذلك ما حدث في سوريا، حيث بات جزء منها، يمتد حتى درعا، خاضعًا للنفوذ الإسرائيلي الذي يتحرك فيه بحرية. كما أعلنت إسرائيل عن “حمايتها” للدروز، مما يعني أنها احتلت فعليًا ثلث الأراضي السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد حتى اليوم.
ومع توغل إسرائيل في العمق السوري، وما ارتكبه النظام الجديد في سوريا من أخطاءً بحق الأقليات، دفع الى انتفاضة العلويين وحلفائهم ضد هذا النظام الذي كان يجب عليه احتضان جميع الاقليات السورية من اجل منع تقسيم سوريا،
“واعتقد لهذا السبب اعلن وليد جنبلاط وهو القارئ والعارف بالسياسة العالمية، رفضه تقسيم سوريا، لانه يعلم بحال اعلان بوادر التقسيم سيشكل ذريعة للتدخل الدولي، خاصة من قبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهذه الدول ستعمل بقوة على إنشاء دولة علوية تمتد من طرطوس إلى اللاذقية.
حتى اتصال بوتين باحمد الشرع هو لادراك الروس أن قيام دولة علوية أصبح مسألة وقت قصير للغاية،
ولكن الروس كما عادتهم يحاولون امساك العصا من المنتصف، لذلك سارع بوتين إلى الاتصال بأحمد الشرع لضمان بقاء القواعد الروسية في سوريا، اما اغلاق النقاش حول مسألة محاكمة أو تسليم بشار الأسد. كون الروسي يريد ان يكون بشار الأسد الورقة الرابحة في حال الإعلان عن قيام الدولة العلوية..
والمفارقة ان مشروع الدولة العلوية ليس جديدًا، بل هو مخطط ومنشور منذ قرن من الزمن، حيث أُقرّ عام 1923 بهدف حماية المصالح الغربية في البحر الأبيض المتوسط.
ومع قيام هذه الدولة، لن تعود دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية، إضافة إلى الأردن، والعراق، وما تبقى من سوريا، قادرة على الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط إلا عبر الدولة العلوية أو الجمهورية اللبنانية أو الكيان الإسرائيلي. او من خلال لواء اسكندرون.
مما يعني بان زوال ايران سيقابله عزل وحرمان ما لايقل عن 128 مليون عربي من الوصول الى مياه البحر الابيض المتوسط الا بموافقة مسيبقة من الكيانات التي ذكرت.
لكن حتى هذه الخيارات التي يسوّقها نتنياهو، ومعه بعض العرب، لن يقبل بها النظام العالمي، كونها محفوفة بالمخاطر. لذلك، تقوم الاستراتيجية الحالية على “ستاتيكو” يحافظ على التوازن لأطول فترة ممكنة، ريثما تتغير سياسات إيران تجاه الغرب أو تتبدل معادلات القوى.
كان الطرف الوحيد القادر على المساهمة في تطبيق نظرية نتنياهو هو تركيا، التي تعهّدت بالضغط على حماس لفصلها عن إيران، إضافةً إلى حماية الأقليات في سوريا وضمان انتقال سلس للحكم، بما يسمح بإضعاف إيران وقطع الطريق على حزب الله في لبنان.
لكن تركيا فوجئت بموقف الدول العربية تجاه خطة الرئيس ترامب، التي دعت إلى تهجير أهالي غزة إلى بعض الدول العربية، أو في أفضل الأحوال، إلغاء وجود حماس في غزة. هذا التعارض أدخل تركيا في حالة من الفوضى العارمة، انعكست على أدائها في سوريا والمنطقة. كما أن الحديث عن قيام دولة كردية في سوريا يُعد عقابًا دوليًا لتركيا على فشلها في إدارة الأزمة السورية، وربما يؤدي إلى استنزافها في حرب طويلة ضد الأكراد.
الخلاصة
يجب على بعض الدول العربية، وحتى الأطراف في الداخل اللبناني والسوري، الذين اعتقدوا أن الهلال الشيعي قد انتهى، أن يتريثوا قليلًا وألا يبيعوا جلد الدب قبل قتله.
طالما أن هناك تطرفًا إسلاميًا قد يمتد إلى مليار مسلم في المنطقة والعالم، فلا بديل عمّا ذكرناه. فإيران ليست مجرد دولة في الشرق الأوسط، كما أن الأقليات ليست مجرد أهل ذمة يجوز استعبادهم والتنكيل بهم وحرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية.
الهلال الشيعي يمثل ركيزة أساسية للاقليات في التوازن الإقليمي، وهو جزء من الحسابات الكبرى التي تجعل المساس به مخاطرة غير محسوبة العواقب.
إذا كان بعض العرب يعتقدون أن هزيمة إيران تمثل انتصارًا لهم، وأن خروجها من المشهد في الشرق الأوسط سيسمح لهم بتمديد نفوذهم حتى أوروبا، فإن الولايات المتحدة تدرك هذا الأمر جيدًا. فانهيار إيران لن يكون مجرد هزيمة لقوة إقليمية، بل بداية لاضطرابات قد تعيد تشكيل النظام العالمي بالكامل.
ناجي علي أمّهز
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.