اقلامالسياسية

كتب ناجي علي امهز، في يوم المرأة العالمي، تُكرَّم رنا الساحلي، أيقونة الإعلام المقاوم، التي لم تخشَ الموت.

في يوم المرأة العالمي، تُكرَّم رنا الساحلي، أيقونة الإعلام المقاوم، التي لم تخشَ الموت.
ناجي علي أمّهز

في يوم المرأة العالمي، حيث تُرفع رايات التقدير للنساء الرائدات، يبرز اسم الإعلامية المناضلة رنا الساحلي كرمزٍ للصمود والالتزام، وكنموذجٍ يُجسّد أسمى معاني العطاء والتضحية. لم تحتَج إلى إذنٍ مسبقٍ أو بروتوكولاتٍ رسميةٍ لتنال التكريم، فقد فرضت احترامها بجهدها وتضحياتها، وأثبتت أن المساواة بين المرأة والرجل ليست امتيازًا، بل حصيلة مواقف عظيمة تتخذها المرأة في لحظات التحدي، خاصةً في المحطات الوطنية الكبرى.

لم تكن رنا الساحلي مجرد إعلاميةٍ تؤدي عملها المهني، بل كانت صوت المقاومة في أشدّ الظروف قسوةً وخطورة. لم يمنعها القصف، ولم يثنها خطر الاغتيال عن واجبها في نقل الحقيقة، حيث كانت حلقة الوصل بين الميدان والجمهور، متحدّيةً آلة الحرب الإسرائيلية التي لم تفرّق يومًا بين رجلٍ وامرأةٍ في استهدافها. لكنها، بعزمٍ لا يلين، أثبتت أن الكلمة الحرة هي سلاحٌ لا يقلّ خطورةً عن البندقية، وأن الإعلام المقاوم لا يعرف الخضوع أو المساومة.

رنا الساحلي، أيقونة الإعلام المقاوم

لقد كانت رنا الساحلي صورةً مشرقة رائعة للمرأة الشرقية التي تحافظ على تقاليدها وقيمها الأصيلة، وفي الوقت نفسه، مثالًا عالميًا للمرأة القادرة على خوض غمار النضال والتأثير في مجريات الأحداث. وهنا، تبدأ المساواة الحقيقية، حيث تُثبت المرأة أنها ليست أقل شجاعةً أو كفاءةً من الرجل، بل هي شريكةٌ أساسيةٌ في كل ميادين المواجهة.

تكريم رنا الساحلي اليوم ليس مجرد احتفاءٍ بشخصها، بل هو تكريمٌ لكل امرأةٍ اختارت طريق العطاء والنضال وفي اصعب واخطر المهن التي هي اساس تطور المجتمعات، لكل امرأةٍ كانت الكلمة سلاحها والصدق ميثاقها. فهي التي أبكتنا بكلماتها حين رثت الشهداء، وخاصّةً عندما نعت مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله، الحاج محمد عفيف، بكلماتٍ حفرت أثرًا عميقًا في القلوب. واليوم، يردّ لها زملاؤها بعضًا من الجميل، عرفانًا لمسيرةٍ كانت فيها الصوت الصادق الذي لم يخفت يومًا.

وفي هذا اليوم العالمي للمرأة، لا يمكن الحديث عن دور المرأة في المقاومة دون ذكر رنا الساحلي، التي شكّلت على مدى عقدين تقريبا، أحد أعمدة العلاقات الإعلامية في حزب الله. منذ اللحظة الأولى لانخراطها في هذا الميدان، كانت مثالًا للالتزام والمسؤولية، مؤديةً دورها المهني بتميّزٍ وإبداع، إلى جانب كونها كاتبةً فذةً ذات قلمٍ مؤثرٍ ورؤيةٍ ثاقبة.

رافقت رنا الساحلي كل مراحل تطور العلاقات الإعلامية في المقاومة، ولم تكن مجرد شاهدةٍ على هذا المسار، بل كانت جزءًا أصيلًا من صناعته. حملت على عاتقها مسؤولياتٍ جسامًا، وأدارت ملفاتٍ دقيقةً بكفاءةٍ وإخلاص، فكانت لها بصمتها في كل تفصيلٍ من معركة الوعي، التي لا تقلّ أهميةً عن أي مواجهةٍ عسكرية.

لكن دور رنا الساحلي لم يقتصر على الإعلام فحسب، بل امتدّ إلى قدرتها الفريدة على التعامل مع النخب السياسية والإعلامية والفكرية والدينية، وهو من أصعب التحديات، لا سيما في بيئةٍ معقدةٍ تتداخل فيها المصالح والتوجهات والطوائف “وصراع الانا”. ورغم ذلك، استطاعت أن تكون صلة وصلٍ بين مختلف التيارات، دون أن تفقد وضوح رؤيتها وثبات مبادئها، ما جعلها تحظى باحترام الجميع.

وكما كثيرين، كان لاستشهاد المجاهد والإعلامي الفذ الاستثنائي الحاج محمد عفيف أثرٌ عميقٌ في نفسها، فقد كان المعلّم والمُلهم والرجل الذي لا يُعوَّض. لكن رغم الألم والخسارة، لم تتراجع رنا الساحلي، بل واصلت المسيرة بثبات، حاملةً إرثًا كانت جزءًا من صناعته. كيف لا، وهي التي رافقت المقاومة لأكثر من 18 عامًا، فكانت الصوت الذي لا يهدأ، والقلم الذي لا ينكسر، والوجه الذي يعكس صمود الموقف وثبات النهج.

واليوم، يأتي تكريمها في هذه الأجواء كتعبيرٍ صادقٍ عن مكانتها وتقديرًا لعطائها اللامحدود. فهو ليس مجرد تكريمٍ لشخصها، بل تكريمٌ للمرأة المقاومة، الصلبة، الملتزمة، التي أثبتت أن الإعلام ليس مجرد مهنة، بل رسالة، وقضية، وموقف.

وفي يوم المرأة العالمي، يليق بنا أن نقول:
رنا الساحلي، أنتِ المرأة التي يستحقها هذا التكريم. شكرًا لكل شيء، حضرة الزميلة الإعلامية.

زر الذهاب إلى الأعلى