السياسية

الإمامُ الحسن (ع): الحِلْمُ في مواجهةِ التحدّياتِ والأزمات

العلامة السيد علي فضل الله

قال الله سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}. صدق الله العظيم.

نستعيد في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك ذكرى ولادة واحد ممن نزلت عليهم الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، وهو الإمام الحسن بن عليّ (ع)، سبط رسول الله وريحانته، وسيّد شباب أهل الجنَّة.

نشأةٌ رساليّة

حظي هذا الإمام برعاية خاصَّة من جدّه رسول الله (ص)، وبتربيته منذ نعومة أظفاره، فهو من سماه باسمه الَّذي لم يسمَّ به أحد قبله.

وفيه انطبعت معالم شخصيَّته ومزاياه، فقد ورد في سيرته أنَّه كان أشبه النَّاس خُلُقاً وخَلْقاً ودلّاً برسول الله، حتَّى إنَّ الناس كانوا ينظرون إليه إذا اشتاقوا لرؤية رسول الله (ص) بعد وفاته، وكانوا يجدون عنده حلمه وعلمه وعبادته وزهده وكرمه وتواضعه وحبَّه للنَّاس ورحمته بهم.

أعباءٌ وتحدّيات

وبعد وفاة جدّه رسول الله (ص)، شارك الإمام الحسن (ع) أباه عليّاً (ع) في أداء دوره الرّساليّ، وحمل أعباء الخلافة ومواجهة تحدّياتها، وكان حاضراً معه في كلّ حروبه؛ في الجمل وصفين والنهروان، وكان واحداً من أبطالها.

وبعد وفاة أبيه (ع)، تولى الخلافة في أصعب الظّروف وأشدّها حراجة، حيث برزت أمامه التحديات الَّتي تمثّلت آنذاك بطموح معاوية إلى اغتصاب الخلافة وجعلها في بني أميَّة، وقد عمل في مواجهة الإمام الحسن (ع) على خطَّين؛ الخطّ الأوَّل هو تشويه صورته، والخطّ الثاني، مواجهة الإمام (ع) عسكريّاً، مستغلاً تعب جيش الإمام عليّ (ع)، بعدما أثقلته الحروب الطَّويلة، من حرب الجمل، إلى صفّين إلى النَّهروان.

ورغم ذلك، أعدَّ الإمام الحسن (ع) جيشه في مواجهته، لكنَّه عاد وصالحه عندما رأى أن لا مصلحة في استمرار المعركة، لكون نتائجها لن توازي التضحيات الَّتي ستقدَّم. بعدها، تابع الإمام (ع) دوره كإمام في مواجهة انحرافات الحكم، وفي توجيه الأمَّة وتربيتها. وبقي على ذلك إلى أن غادر الحياة بفعل السّمّ الَّذي دسَّ له على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، بإيعاز من معاوية، بما يمهّد لتولية ابنه يزيد الخلافة.

الإمامُ الحليم

ونحن اليوم سنستفيد من هذه الذكرى، لنشير إلى واحدة من أبرز صفات هذا الإمام؛ وهي صفة الحلم، فقد سمي بحليم أهل البيت، وهي الّتي شهد له بها أعدى أعدائه، وهو مروان بن الحكم، حيث يُذَكر أنّه لما توفي وأخرجت جنازته، أصرَّ مروان بن الحكم أعدى أعدائه، على حمل جنازته، وعندما سأله الحسين (ع): “أتحمل سريره، أما والله كنت تجرّعه الغيظ؟”، فقال: “إنّني كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال”.

والحلم يعني: ضبط النَّفس عند الغضب، وعدم التصرّف بوحيه، بل بناءً على وعي وإيمان.

ونحن عندما نتحدث عن حلم الإمام، نذكر أنَّ هذا الحلم لم يكن ناشئاً من ضعف، بل كان الإمام (ع) خلالها في موقع القوَّة، وقادراً على أن يردَّ الإساءة بمثلها.

وهنا سنورد عدداً من مواقفه الَّتي أشارت إلى هذه القيمة:

الحلمُ في مُواجهةِ الحقْد

أوَّلاً: ورد في السيرة؛ أنّ الإمام الحسن (ع) كان مع أصحابه وهو في الطَّريق في المدينة، فالتقى بشخص من أهل الشام، ممن ربّاهم معاوية على الكراهية والحقد لأهل البيت (ع)، هذا الرَّجل بمجرَّد أن عرف أنَّ هذا هو الإمام الحسن (ع)، راح يسبّه ويشتمه، ليفجّر الحقد الَّذي كان زرعه معاوية في داخله.

هنا اندفع أصحاب الإمام لإسكات هذا الرَّجل والردّ عليه، لكنّ الإمام (ع) قال لهم: أنا أتدبَّر أمره. فأقبل على الرجل بابتسامته المعهودة، وقال له: “أيّها الشَّيخ، أظنّك غريباً، ولعلَّك شبَّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسَوْناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً”… ثمَّ دعاه إلى بيته. وفعلاً، ذهب هذا الرَّجل إلى بيت الإمام (ع)، ووجد فيه أجواء الإيمان والتَّقوى مما كان غائباً عنه، فخرج من عند الإمام وهو يقول: “أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالاته، كنت أنت وأبوك أبغض الخلق إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ”.

ردُّهُ (ع) على أصحابه

وموقف ثان حصل معه بعد قراره الصّلح مع معاوية، حين رأى بعض أصحابه ممن لم يفهموا خلفيَّة منطلقاته وأهدافه من الصلح، حيث رأوا فيه أنّه موقف ذلّ وخنوع، ووصل بهم الأمر إلى أن يقولوا للإمام (ع) حين كانوا يسلّمون عليه: “السّلام عليك يا مذلّ المؤمنين”، وهناك من قال: “لوددت أنّك متّ في ذلك اليوم ومتنا معك”، لكنَّ مثل هذه الكلمات التي أُريد منها استفزاز الإمام، وهو من هو موقعاً وقيمة، لم تجعله يتحرَّك من موقع انفعاله، بل من وعيه لخلفيَّاتهم. يومها واجه الإمام هذه الحالة بحكمة وأناة وسعة صدر، مبيّناً لهم منطلقاته، وأنَّه لم يفعل ذلك إلَّا لأجلهم، ما جعلهم يتراجعون عن إساءاتهم، ويتفهَّمون حقيقة ما قام به الإمام ويعتذرون إليه.

وصيّته بحقنِ الدّم

الموقف الأخير؛ عبَّرت عنه وصيَّته للإمام الحسين (ع)، حين قال له في وصيَّته له: “أوصيك يا أخي بمن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك؛ أن تصفح عن مسيئهم، وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفاً ووالداً… وأن تدفنني مع جدّي رسول الله، فإني أحقّ به، فإن أبوا عليك، فأنشدك الله بالقرابة والرحم الماسَّة من رسول الله، أن لا تهريق فيّ محجمةٍ من دمٍ”.

وهذا ما حصل، فلمَّا أراد الحسين دفن الإمام (ع) عند جدّه رسول الله (ص)، جاءت بنو أميَّة ومنعوا ذلك، وكاد أن يؤدّي ذلك إلى قتال لولا تدخّل الإمام الحسين (ع)، والذي سارع إلى أخذ جثمان أخيه إلى البقيع، ليدفن هناك إلى جانب جدَّته فاطمة بنت أسد، تنفيذاً لوصيَّة أخيه، ووأداً للفتنة الَّتي حرص الإمام الحسن (ع) على عدم الوقوع فيها، وإن كان ذلك على حساب رغبته بأن يدفن إلى جوار جدّه رسول الله (ص).

الابتعادُ عن الغضب

أيُّها الأحبَّة: إنَّنا في ذكرى ولادة الإمام الحسن (ع)، أحوج ما نكون إلى الاستهداء به في هذه القيمة؛ قيمة الحلم، بأن نكون الحلماء الَّذين لا يسارعون إلى التوتر والانفعال والغضب عندما تحصل دواعيها، وما أكثر دواعي التوتّر والانفعال!

وكلنا يعرف ما قد يؤدي إليه الانفعال والتوتّر والغضب، ففي الحديث: “الغضب مفتاح كلّ شرّ”، وفي حديث آخر: “الغضب شرٌّ إن أطعته دمَّر”. والواقع يشهد على ما يؤدي إليه الغضب والانفعال من أذى في مجتمعاتنا على كلّ المستويات، فيكفي أن نزور المستشفيات والسجون والمقابر حتَّى نعي ما يؤدّي إليه الغضب.

وهذا يحتاج إلى بذل جهد منّا، وإلى صبر وتسديد من الله عزَّ وجلَّ، ولكنَّ نتائجه مربحة في الدنيا، “من حلم ساد”، “آلة الرياسة سعة الصَّدر”، “كاد الحليم أن يكون نبياً”، وهو يوفّر علينا تبعات الانفعال في الآخرة، فقد ورد في الحديث: “مَنْ كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه، حشا الله قلبه أمناً وإيماناً”، “من كفّ غضبه، كفّ الله عنه عذابه”، ولنحظى بما وعد به الحلماء، مما أشار إليه الله سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثَّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الحسن (ع) ذلك الرجل الذي قال له: إني من شيعتكم، فقال له: “يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنْ كُنْتَ لَنَا فِي أَوَامِرِنَا وَزَوَاجِرِنَا مُطِيعاً فَقَدْ صَدَقْتَ، وَإِنْ كُنْتَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَلَا تَزِدْ فِي ذُنُوبِكَ بِدَعْوَاكَ مَرْتَبَةً شَرِيفَةً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، لَا تَقُلْ لَنَا أَنَا مِنْ شِيعَتِكُمْ، وَلَكِنْ قُلْ أَنَا مِنْ مَوَالِيكُمْ وَمُحِبِّيكُمْ وَمُعَادِي أَعْدَائِكُمْ، وَأَنْتَ فِي خَيْرٍ وَإِلَى خَيْرٍ”.

لقد أراد الإمام (ع) من خلال ذلك أن يشير إلى أن التَّشيّع ليس انتماءً وعاطفةً أو مشاعر نبديها لأهل البيت (ع)، بقدر ما هو التزام بسلوكهم ومواقفهم وعملاً بأهدافهم، فالشيعيّ هو من ينتهج في عبادته عبادتهم، وفي أخلاقه أخلاقهم، وفي منطقه منطقهم، وفي حلمه حلمهم، وفي كرمه كرمهم، ومن يكون آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، مضحّياً في سبيل الله، كما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وكما ضحّوا وبذلوا مهجهم في سبيل الله.

ومتى فعلنا نحن ذلك وعملنا به، سنستحقّ أن نكون من شيعتهم، وسنكون عندها قادرين على مواجهة التحدّيات.

صمتٌ على الاعتداءات

والبداية من العدوان الإسرائيلي المستمرّ على لبنان الّذي يمسّ بسيادته، والّذي نشهده في الغارات التي يستهدف بها عمق المناطق اللبنانية في الجنوب والبقاع، أو في عمليات الاغتيال والتمدد في الشريط الحدودي، فبعد الحديث عن خمس نقاط تمركز فيها العدوّ، بات الحديث عن عشر نقاط يحتلّها، ولم يسلم من استهدافه الجيش اللبناني. يأتي كلّ ذلك على مرأى ومسمع اللجنة المكلَّفة بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النَّار والدول الراعية له، من دون أن يصدر عنها أيّ موقف إدانة لهذا العدوّ، أو أيَّة إجراءات رادعة توقف هذه الاعتداءات.

إنَّ مثل هذا الصَّمت يشجّع العدوَّ على البقاء في المناطق الَّتي يتمركز فيها، وحتى التمدّد خارجها، كما جاء على لسان رئيس وزراء العدوّ، حين قال إنَّه لن يتنازل عن السيطرة عن المواقع الخمس الَّتي يحتلّها، وإنَّ سياسته الهجومية التي يقوم بها لا تقتصر على سوريا، بل على لبنان أيضاً.

خطّة للتّطبيع؟!

وليس بعيداً مما يجري، يأتي تصريح نائبة المبعوث الأمريكي بإنشاء مجموعات عمل دبلوماسيَّة لحل المشكلات الحدوديَّة مع العدوّ، والَّتي وإن كانت تبدو أمراً إيجابيّاً يعالج أزمة النقاط المختلف عليها بين لبنان والكيان الصهيوني، ولا سيّما أنّه استبق بمبادرة اعتبرت كحسن نيَّة بإعادة عدد من المدنيّين الذين اختطفهم العدوّ من داخل الأراضي اللّبنانيَّة، لكنَّها تحمل الخطورة لكونها تخفي نيَّة مبيَّتة سرعان ما أظهرها المسؤولون الأمريكيون، حين تحدثوا عن العمل على إلحاق لبنان بمسار التَّطبيع الذي يُعمل له على صعيد المنطقة، وذلك من خلال نقل المفاوضات الَّتي كانت تجري إلى الجانب السياسي، وستكون لمصلحة الكيان الصّهيونيّ، وبالشّروط التي يريدها، بفعل الضّغوط التي لا يزال يمارسها على هذا البلد، والتأييد الذي يحظى به.

إننا أمام كلّ ما يجري، نعيد التأكيد على الدولة اللبنانية بأن تقوم بمسؤوليَّتها لمواجهة الاعتداءات الصهيونية وعدم السكوت عليها، والحذر مما يبيّته هذا العدوّ، وممارسة كل الضغوط على الدول الضامنة للاتفاق للقيام بدورها وعدم تحويل ما يجري إلى أمر واقع وطبيعي، والتشديد على أن لا يتمَّ التعامل مع هذا البلد من موقع أنَّه المهزوم، وإملاء القرارات عليه التي تمسّ بسيادته وأمنه، فلبنان ليس ضعيفاً، ولا ينبغي أن يتمَّ التعامل معه من هذا الموقع، بحيث لا يحقّق العدوّ أهدافه من طريق الدبلوماسيَّة الباردة، بعدما فشل في تحقيقها من خلال الحرب الحارة.

وهنا ننوّه بالموقف الرسمي الرافض للتَّطبيع وكلّ ما يؤدي إليه، وإبقاء أيَّة مفاوضات، إن هي جرت، في إطارها الأمني والتقني لا السياسي.

إننا لا ننكر حجم الضّغوط التي تمارس على لبنان، ونعي مدى مخاطرها، ولكنَّ ذلك لا يدعو للرضوخ بقدر ما ينبغي العمل على مواجهة ذلك، واستنفار كل عناصر القوَّة التي يمتلكها لبنان.

سلاحُ المقاومة قوّةٌ للبلد

ونحن على هذا الصَّعيد، ندعو مجدَّداً إلى تعزيز الوحدة الداخلية لمواجهة أيَّة ضغوط تمارس على الدولة، وعدم إدخال البلد في أيّة طروحات قد تهدّد وحدته، أو تفقده أيّ عنصر من عناصر القوَّة. وإنه من المؤسف أن تتمَّ الدعوة من قبل من هم في الحكومة بسحب سلاح المقاومة، في الوقت الَّذي لا يزال العدوّ يشهر سلاحه في مواجهة هذا البلد ويمسّ بسيادته يومياً.

إننا لن نمانع بالحديث عن هذا السّلاح في داخل الحكومة، لكن هذا يأتي بعد أن يكفَّ هذا العدوّ عن تهديده لهذا البلد، ويزيل احتلاله الجاثم عليه، إنَّنا نريد أن تكون الأولويَّة لدى الحكومة بالمطالبة بنزع سلاح العدوّ الصّهيوني من الأراضي اللبنانيَّة، وانسحابه منها، وإزالة كلّ التداعيات التي نتجت من عدوانه، وإعادة إعمار ما تهدَّم.

محاسبةُ المجرمين في سوريا

ونصل إلى سوريا التي شهدت في الأيام الماضية فصلاً جديداً من فصول العنف والقتل والمجازر، في توجه يناقض إعلان السلطات الجديدة بأنها تعمل لجمع شمل السوريّين ووحدة البلد تحت سقف القانون، وبعيداً من الحسابات الطائفية أو العرقية وغيرها، الأمر الَّذي ألقى مزيداً من التشكيك ببناء دولة القانون، والتحرر من التحيّز لأيّ عصبية أو مكوّن سياسي أو طائفي، وهو ما لا يخدم الاستقرار الَّذي نريده لهذا البلد.

ومن هنا، وانطلاقاً من حرصنا على هذا البلد وشعبه، فإنَّنا نؤكّد على العمل الجادّ لمحاسبة جادَّة لكلّ من تورَّط في هذه الجرائم التي طاولت المئات من الأبرياء والعزَّل، حتَّى لا تتكرَّر، والعمل لمعالجة كلّ الذيول الخطيرة الناجمة عنها، وإعادة الاطمئنان إلى المناطق المنكوبة لاستعادة الوحدة الوطنيَّة السورية، وصولاً إلى استعادة الثقة بالحكومة، بما يمنع العدوّ الصهيوني من أن يدخل على خطّ الأقليات والتهميش والتلاعب بوحدة سوريا، وهو الّذي لا يكفّ عن العبث بأمنها وقوتها والعدوان المستمرّ عليها.

حربٌ مستمرّة على غزّة

ونصل إلى فلسطين المحتلة، حيث يواصل العدوّ عدوانه على غزّة، من خلال الحصار المفروض عليها واستهداف المدنيّين، رغم قرار وقف إطلاق النَّار، فيما يستمرّ هو بالمماطلة للمرحلة الثَّانية من الاتّفاق الذي يدعو إلى مبادلة ما تبقَّى من الأسرى مقابل التوقّف النهائي للحرب والانسحاب الكامل من غزَّة، في وقت يستمرّ العدوّ باستهدافه مدن الضفَّة الغربيَّة ومخيَّماتها، والتدمير الممنهج لها، سعياً لتهجير أهلها أو الرضوخ لكيانه.

ونحن أمام ما يجري، ندعو الشَّعب الفلسطيني إلى الوحدة في مواجهة هذه الحرب السَّاعية لاقتلاعه من أرضه، ما يتطلّب الكفّ عن القيام بأيّ خطوات تؤدّي إلى اشتعال فتنة في داخله، كما نتطلع إلى الدول العربية والإسلامية أن تفي بوعودها التي قطعتها في القمَّة الأخيرة بالقاهرة، وأن تقف إلى جانب هذا الشَّعب على مستوى الموقف، وعدم الاكتفاء بالمقرَّرات والكلمات.

زر الذهاب إلى الأعلى