اخبار ومتفرقات

الإعلام بين العنتريات الفارغة والواقع المرير: إلى متى يستمر العبث؟

في وقتٍ يواجه فيه الشيعة في لبنان، وخاصة في البقاع والهرمل، خطرًا حقيقيًا، نرى بعض الإعلاميين والمحللين يواصلون استخدام الخطاب الاستعراضي، وكأنّ مصير الطائفة مجرّد مادة للتهريج والمزايدات الرخيصة. بينما تُسفك الدماء وتُهدّد البيوت، يخرج علينا بعضهم بلغة “التحليل الفلسفي”، وكأنّهم في مناظرة فكرية، أو بلغة “السوبرمانات”، وكأنّ الصراع يُحسم على شاشات التلفزة بدلًا من ساحات المواجهة.

المعادلة تغيّرت… ولم يفهم البعض بعد

ما يحدث اليوم في سوريا ليس استمرارًا لما كان عليه الوضع في عهد بشار الأسد. المشهد تبدّل بالكامل، ومن لا يرى ذلك فهو إما أعمى، أو يدفن رأسه في رمال الوهم. اليوم، هناك نظام جديد برئاسة أحمد الشرع، وتحالفات إقليمية تعيد تشكيل المنطقة بطريقة لا تخدم الشيعة. ومع ذلك، هناك من لا يزال يكرّر لغة الماضي، ويعتقد أنّ الأمور تُحسم بشعارات فارغة وأوهام بطولية.

حين واجه المسيحيون النظام السوري في السابق، لم يكتفوا بالخطابات الرنانة، بل بنوا استراتيجية متكاملة، اقتصاديًا، اجتماعيًا، وعسكريًا، وفرضوا واقعًا صعب تغييره. أما الشيعة اليوم، فهم في موقف أكثر خطورة، ومع ذلك، لا يزال بعض إعلامييهم يستخفّون بالموقف، غير مدركين أنّ هذا العبث الإعلامي هو أول مسمار في نعش الطائفة.

الإعلام الاستعراضي: خدمة مجانية للأعداء

بدلًا من العمل على توحيد الصف، نجد بعض الأبواق الإعلامية تفتح جبهات داخلية، تساهم في تفتيت الموقف، وتقدّم مادة دسمة لمن يتربّص بالشيعة. إنّ هذه اللغة الإعلامية غير المسؤولة لم تؤدِّ إلا إلى عزل الطائفة، وإعطاء خصومها الذخيرة اللازمة لاستهدافها سياسيًا وأمنيًا.

هل المطلوب أن ننتظر حتى يتحوّل البقاع والهرمل إلى نسخة جديدة من مناطق كانت يومًا معاقل آمنة للشيعة، ثم أُفرغت من سكانها؟ هل المطلوب أن نبقى في حالة إنكار حتى نجد أنفسنا أمام مأساة جديدة تُضاف إلى سجلّ المجازر التي تعرّضت لها الطائفة عبر التاريخ؟

ما الحل؟

 1. وقف التهريج الإعلامي فورًا: ما يحتاجه الشيعة اليوم ليس أبواقًا استعراضية، بل صوتًا عقلانيًا مسؤولًا يدرك حساسية المرحلة، ويعمل على حماية الطائفة لا على استعراض بطولات وهمية.

 2. إعادة النظر في الأولويات: المعركة اليوم ليست مجرد معركة حدود، بل هي معركة وجود، وأي خطاب لا يأخذ ذلك بعين الاعتبار فهو خطاب خياني، سواء بقصد أو دون قصد.

 3. المطالبة بموقف رسمي جاد: لا يمكن الاستمرار في التعامل مع التهديدات وكأنّها “تفصيل عابر”، المطلوب تحرّك دبلوماسي دولي واضح، يضع ما يجري على طاولة البحث الجاد، لا على منصات التهريج الإعلامي.

 4. خلق استراتيجية طويلة الأمد: المواجهة لا تكون فقط بردّ الفعل، بل بوضع خطط مستقبلية تحمي الطائفة على المدى الطويل، بدلًا من تركها رهينة التحولات الإقليمية التي لا تأخذ مصلحتها بعين الاعتبار.

الخاتمة: إما أن نعي خطورة اللحظة، أو نكون الضحية التالية

الزمن لا يرحم الأغبياء، والتاريخ لا يعيد نفسه إلا على من يرفض التعلم من دروسه. إذا استمرّ بعض الإعلاميين في هذا النهج العبثي، فإنّهم لا يقدّمون إلا خدمة مجانية لمن يريدون القضاء على الشيعة، وعندها، لن ينفع البكاء على الأطلال، ولن تكون هناك فرصة لتصحيح الأخطاء.

اليوم القرار بيد الجميع: إما إعلام مسؤول يعكس الواقع، أو استمرار في السير نحو الهاوية.

 بقلم سنا فنيش

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى