السياسية

الانتخابات البلدية في طرابلس: تهافت على الكرسي… والبرامج في خبر كان!

بقلم: لبنى عويضة…

خاص: جريدة الرقيب الالكترونية

بين حراكٍ خجول وتأنٍ سياسي، تعيش طرابلس اللحظة الرمادية التي تسبق الاستحقاق المصيري المتمثل بالانتخابات البلدية والاختيارية. ولكن بعيدًا عن بعض الوجوه المتجهمة التي بدأت تخرج من جحورها، يبقى السؤال الأهم: ماذا ينتظر مدينة أنهكها التعطيل والحرمان، ونُهشت أعمار أبنائها في زوايا الإهمال؟
شكليًا، هي بلدية كغيرها من البلديات، لكن جوهرياً يمكن القول إن طرابلس أهم من بيروت بلديًا. والسبب؟
ببساطة، مجلس بلدية طرابلس يملك صلاحيات تنفيذية فعلية، بينما مجلس بيروت لا يتعدى كونه هيئة تقريرية تحت رحمة المحافظ وتوازنات السلطة. إنه بيت القصيد: بلدية طرابلس هي فعليًا البلدية الأولى في لبنان، وليس فقط العاصمة الثانية.

من جهة أخرى، يتألف مجلس بلدية طرابلس من 24 عضوًا، وكما كان متوقعًا، بدأ التهافت على الكرسي، وعلت الأصوات، وتخثرت التحالفات في الكواليس. أما البرامج؟ يبدو أن معظمها غائب، وكأننا في بازار انتخابي وليس في عرس ديمقراطي يفترض أن يحدد ملامح نهضة المدينة.

أما على صعيد المرشحين، فتتحرّك في الكواليس شخصيات منها المُجرّب ومنها الطامح، منها من هم مشهود لهم بالكفاءة وحسن السيرة والسلوك ومنها من هم يخوضون اولى تجاربهم في الحياة وغيرهم وهكذا…
من هذه الشخصيات على سبيل المثال لا الحصر من يملكون خلفية أمنية، تحاول تقديم نفسها على أنها الخيار الأنسب، مستندة إلى علاقاتها القوية مع مفاصل الدولة وخبرتها في الحسم والادارة. تُرفع راية “الكفاءة”، لكن التجارب السابقة علّمت الطرابلسي أن الكفاءة الحقيقية لا تُقاس بعدد المعارف ولا بكمّ الولاءات، بل بما يُنجز فعلياً على الأرض.

في جانب آخر، تبرز مجموعات تتغذى من المال السياسي وتعمل بهدوء أشبه بالصمت المدروس، وكأن المدينة لا تزال رهينة منطق “ادفع تسُد”. لكن الزمن تغيّر، وثقة الناس لم تعد تُشترى بسهولة، خصوصاً بعد أن تبيّن أن بعض الوجاهات لا تملك أكثر من صورة على الجدران ووعود في الهواء.

ومن جهة ثالثة، هناك من يتقدمون بخطاب تغييري، يضعون أنفسهم في خانة “الشارع”، متسلحين بالغضب والعنفوان. إلا أن العمل البلدي ليس ساحة هتاف فقط، بل يحتاج إلى عقل تخطيطي ومأسسة واضحة، وإلا تحوّل الحلم إلى فوضى.

وفي زوايا المشهد، تظهر تحركات يطلقون عليها “مدنية” يغلفها شعار “الاستقلالية”، لكنها محاطة بتساؤلات مشروعة عن مدى صِدق هذا الاستقلال، خصوصاً عندما تتقاطع الخيوط الخلفية مع أروقة سياسية مألوفة. ففي مدينة تحفظ الأسماء والنيات، لا تمرّ التحالفات الرمادية مرور الكرام.

والأنكى من ذلك، أن بعض من مارس العمل البلدي سابقاً ونكرر البعض وليس الكل، لان عدد لا يستهان به من الاعضاء السابقين او الحاليين ترفع لهم القبعة احتراماً وتقديراً، هؤلاء البعض الذين كانوا سبباً في تعطيل العمل البلدي بسبب النكد والتعنّت، ورغم سجلهم الباهت بل والكارثي، ينوون الترشح مجددًا، كأنهم لم يكتفوا بما ارتكبوه من فظائع بحق المدينة.

ورغم كل الضجيج الانتخابي، هناك من يرى ان طيف التعطيل الذي ما زال يُخيّم كظل ثقيل على المدينة بسبب المشاكل والخصومات ان يعود مجدداً في حال تم انتخاب مجلس غير متجانس، ما يؤثر على انجازات العمل البلدي ويترك شوارع المدينة تغرق في العتمة والنفايات والخنادق في الطرقات، وأحياؤها تُترك فريسة للفقر والتهميش، لا خطة، لا رؤية، ولا حتى كرامة مؤسساتية كما هي اليوم.

طرابلس لم تتراجع فقط، بل انزاحت عقودًا إلى الوراء، وتُركت كمنطقة منزوعة السيادة الإنمائية. والمفارقة المؤلمة؟ أن بعض من أوصل المدينة إلى هذا القعر يعود اليوم بثقة عجيبة ليطلب أصوات الناس من جديد، كأن الذاكرة الجمعية مبتورة أو كأن الطرابلسي لم يعد يميّز بين الوهم والحقيقة.

هذه المراوغة السياسية ليست جديدة، لكنها اليوم باتت أوضح من أي وقت مضى. فالطرابلسي لم يعد يثق بالمناكفات الفارغة، ولا بالمال السياسي، ولا بالوعود المغلفة بمصطلحات إنشائية.
فهل تفرز هذه الانتخابات مجلسًا يشبه المدينة؟
هل نرى في الأيام القليلة المقبلة لائحة تمثل الطرابلسي العادي، المهمّش، الذي ينتظر إصلاح “زاروب” أو تنظيف شارع أو حتى فرصة كرامة؟ مع العلم أن كل هذا من حقه ومن واجب البلدية، وليس منّة من أحد.
أم أننا، كالعادة، على موعد مع إعادة إنتاج فشل جديد لمدينة كفرت بكل مقوماتها؟

زر الذهاب إلى الأعلى