
بقلم: لبنى عويضة…
خاص: جريدة الرقيب الالكترونية
بين الازدواجية والوقاحة المقنّعة، بات كل شيء مباحًا!
ففي زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتداخل المفاهيم، بتنا نرى مشاهد مقلقة تتكرّر بشكل مزعج. كل ما هو راسخ في وجدان الشعوب، صار مادة للتسويق والإثارة و”الترند”. لكن أن تصل الوقاحة إلى حد وضع أسماء مقدسة على أحذية؟ فذلك تجاوز للخيال والمنطق والاستيعاب! أو أن تُسخر رموز دينية في إعلان تافه؟ ثم يخرجون ببيان اعتذار بارد، يُرجعون فيه الإساءة إلى “خطأ غير مقصود”، وكأن مشاعر الناس تُقاس بالنوايا لا بالأفعال!
عذرًا، العبث بالمقدسات لا يدخل ضمن حرية الرأي!
وتحت ذرائع من نوع “سقطت سهواً” أو “لم نكن نعلم” – رغم أن الجميع يعلم تمامًا حدود المقدّس لدى الآخر – تُرتكب إساءات أقل ما يُقال عنها إنها مُهينة ومُتعمدة.
ما حصل في لبنان يوم أمس، بعد الفضيحة الأخلاقية التي فجّرتها ماركة أحذية، ليس مجرّد “سوء تقدير”، كما ادّعى بيان الشركة (الذي لا يمكن قبوله طبعًا)، بل هو تجاوز صارخ لكل خط أحمر، واعتداء سافر على كرامة الناس وهويتهم. ولسنا هنا أمام حادثة معزولة، بل أمام سلسلة من “التجريب الوقح” الذي يختبر صبر الناس، ومقدار ما يمكن تمريره باسم “حرية التعبير”.
لكن، أيّ حرية هذه التي تدهس مقدسات الآخرين؟
منذ متى أصبحت الحرية تعني المساس بما يؤمن به الناس؟
ومن أعطى الرخصة لأي جهة – تجارية كانت أم ثقافية – أن تعبث بما هو أسمى من مجرّد ذوق أو فن أو إبداع؟
الحرية ليست عبر الفوضى، والجرأة ليست من خلال قلّة الأدب.
أن تُعبّر لا يعني أن تُهين.
ولكي تصنع ضجّة، لا يبرّر حرق قيم الآخرين.
احترام الأديان ليس خيارًا، بل واجب على كل فرد، مهما كانت ديانته، أو حتى لو لم يكن مؤمنًا بأي منها.
ولعلّ التمسك بالحدّ الأدنى من الأخلاق، هو الحد الفاصل بين الحضارة والانحدار، وهو روح الإنسانية التي يتغنّى بها الكثيرون ممن يرفعون راية “العلمانية” في وجه الظلام، وينادون بحقوق الإنسان، ثم يصمتون حين تُداس مقدّسات الناس، فقط لأنها لا تخصّهم!
السكوت لم يعد مقبولًا.
تكرار هذه “الهفوات” بات ممنهجًا، والردّ يجب أن يكون على مستوى الإهانة: وعي شعبي، رقابة مسؤولة، وقانون لا يُجامل.
ففي ظل هذا العبث، لسنا بحاجة إلى محاربة الحرية، بل إلى حمايتها من التلوث والتحوّل إلى سلاح بيد من لا يؤمن بشيء، سوى الضجيج.
لأن التطاول على المقدسات ليس “رأيًا”… بل اعتداء.
والمجتمعات التي تبرّر الإهانة تحت عباءة الحرية، تُمهّد لانفجار قادم.
فلا تجربوا صبر الناس، ولا تستهينوا بما لا يُمس.
وإلّا، حينما ينفجر الغضب الحقيقي… لن يُنقذكم اعتذار، ولن تبرّئكم بيانات التوضيح.