اخبار ومتفرقات

كلام جنبلاط؟ وردّ الشيخ قاسم؟ وأسباب الهجوم على المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كلها في سياق واحد؟

ناقِل الكفر ليس بكافر. وما سأكتبه الآن، يزعجني أنا قبل سواي، لكنه الواقع الذي عرفته وعشته عن كثب حين كان المسيحيون مطاردين، مبعدين، مكمّمي الأفواه، تحت سطوة الهيمنة السورية. واليوم، حين أتأمل المشهد اللبناني القادم، أجد ان التاريخ يكرر نفسه، ولكن بالامس المستهدف كان المورانة، واليوم المستهدف هم الشيعة.

غايتي من هذا المقال امر واحد فقط، هو ان يكتب المستقبل ان الشعب اللبناني تجاوز زلزال الشرق الاوسط الجديد باقل تكلفة ممكنة، لقد كان اللبنانييون بارعون في السياسة واصيلين في الوطنية، ويستحقون البقاء.

قبل اتفاق الطائف، كان المسيحيون في لبنان يتمتعون بنفوذ سياسي واقتصادي ودبلوماسي شبه مطلق اضافة الى احزاب مسلحة وقوية، كما ان لديهم الرابطة المارونية وهي اعظم مؤسسة اجتماعية ثقافية في المشرق العربي. وعلى راس هذا الرسوخ الماروني هناك الكنيسة المارونية التي هي جزء من الفاتيكان، تمتلك امتدادًا عالميًا لا يُضاهى، والموارنة لهم مدن بأكملها في بلاد الاغتراب. ومع ذلك، لم يصمد كل هذا النفوذ أمام القرار الدولي الذي سلّم لبنان لسوريا، مقابل مشاركة الأسد في “عاصفة الصحراء” ضد صدام حسين.

ومع طلعة شمس 13 تشرين الأول 1990، كان الطيران السوري يقصف القصر الجمهوري، وتبدأ عملية الغاء الدور الماروني: الأحزاب المسيحية الغيت، الزعامات نُفيت أو قُتلت أو سُجِنت، الإعلام المسيحي خُنق، وتم تفريغ الإدارات من أي ماروني يشتمّ منه رائحة معارضة. ولم ينفع الموارنة اي شيء مما كان لديهم عندما جاء القرار الدولي. بل إن كثيرًا منهم لم يجد سوى المنظمات الإنسانية وسيلة لرفع المظلومية.

ما بين 1990 و1997، هاجر قرابة 40% من مسيحيي لبنان، وتحوّل الماروني في السلطة إلى استثناء، مجرد واجهة يُختار بعناية من الأقربين للنظام السوري. وحتى رجال الأعمال، حوربوا في أرزاقهم، وأُبعدوا عن التلزيمات، وعوقبوا دوليًا بتنسيق أميركي – أوروبي – عربي. كل ذلك كان تنفيذًا لقرار دولي واضح: إخضاع لبنان للوصاية السورية، ولو على أنقاض المكوّن المسيحي.

لماذا نعود إلى هذا الماضي الآن؟

لأن السيناريو ذاته يُكتَب اليوم، ولكن هذه المرة بعنوان مختلف: “الشيعة”، لا “الموارنة”. والسياسيين الذين عاشوا مرحلة تصفية المارونية يعرفون انهم اليوم امام مرحلة تصفية الشيعة.

 

هنا تحديدًا ادخل الى كلام وليد بيك جنبلاط، ابن الحرب والمصالحة، وعرّاب التوازنات القلقة. ما قاله مؤخرًا عن حزب الله والشيعة، وعن “فلسطين التي ستبقى في الذاكرة” ليس زلة لسان، بل توصيف دقيق لخطة تجري على الأرض. ما يجري في غزة، حيث يُقتل الفلسطيني جوعًا وقصفًا وخنقًا، وسط صمت عربي وعالمي مدوٍّ، ليس مجرد مذبحة، بل بروفة لما يمكن أن يطال كل من لا يتنازل عن سلاحه، وخصوصًا من الطائفة الشيعية في لبنان.

 

جنبلاط يعرف، بحكم التجربة، أن ما يُحضّر للشيعة اليوم، يشبه ما جرى للمسيحيين في الأمس القريب. وهو يدرك أن القرار الدولي، الذي سلّم لبنان سابقًا لسوريا، قد سلّمه اليوم للاعب جديد: المشروع الأميركي – الإسرائيلي، الذي لا مكان فيه لسلاح خارج قبضته، ولا لمكوّن مستقل بقراره.

وقراءة جنبلاط ليست فقط في السياسة الدولية بل هي قراءة لواقع الشعوب العربية الغارقة بالطائفية: 

حكم آل الأسد سوريا لما يقارب 54 سنة. ومع ذلك، عندما انهار الحكم، تبيّن أن الطائفية أكبر بكثير مما كانت عليه قبل عام 1970.

رغم أن حافظ الأسد أعلن تسنّنه، وكان يُقيم الصلاة على الطريقة السنية، وقامت الحكومات السورية ورجال الدين من مختلف الطوائف، على مدار نصف قرن، بمحاولات لإنهاء الطائفية، بل حتى الجيش السوري، الذي بُني بتضحيات الشعب السوري ومن أموالهم (وكونه بناه رجل ينتمي إلى طائفة علوية)، لم نسمع اعتراضًا أو خرجت مظاهرة شعبية سورية تنديدًا بالاعتداء الإسرائيلي على الجيش السوري الوطني.

اضافة أن الشيعة قدّموا الغالي والنفيس وكل ما يملكون من أجل فلسطين القضية السنية المركزية، ومع ذلك لم تشفع تضحياتهم في تخفيف الاحتقان الطائفي، بل تصاعدت الاعتداءات، فطُرد الشيعة من سوريا وتعرّضت قراهم في سوريا ولبنان لهجمات المتطرفين.

ولأن حزب الله يقرأ هذه المتغيرات بدقة، جاء خطاب امين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم ليضع الأمور في نصابها: “لن نترك السلاح”. ليس تعنتًا، ولا حبًا بالقتال، بل لأن تسليم السلاح الآن يعني تسليم الرقاب. يعني تكرار تجربة المسيحيين، من دون أن يكون للشيعة تلك البنية المؤسساتية والاغترابية التي يمتلكها الموارنة.

الشيعة لا يملكون الا سلاحهم.

الشيعة لا يملكون “رابطة مارونية”، ولا لوبيات نافذة في الخارج. لا مجالس اقتصادية ضخمة، ولا انتشارًا مؤسساتيًا يمكنه أن يحميهم في حال اختلّ التوازن. بل إن حراكهم في المجتمع المدني لا يزال ضعيفًا، والمشروع الثقافي الشيعي شبه معدوم، بمعنى اوضح اذا كان الموارنة دفعوا كل هذه الاثمان وهم يمتلكون كل هذه القوى وهم المسيحييون الذين مع امريكا وليسوا ضد اسرائيل،

اذا كم ستكون فاتورة الشيعة كبيرة وهم قاتلوا اسرائيل والتكفيريين من اجل تحرير لبنان وحماية الاقليات.

بل حتى الهجوم على المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى آخر ما تبقّى من المؤسسات الوسطية والتمثيلية التي من المحتمل ان تقوم بدور وسطي شيعي، هو ليس بريئا، بل بسياق وضع الشيعة كلهم في سلة واحدة، يعني امل حزب الله المجلس الاسلامي الشيعي يجب انهاء دورهم.

 

وكما تصرفت الوصايا السورية مع الكتائب والقوات والكنيسة، فالنظام الشرق اوسطي الجديد يتصرف مع الشيعة في ذات السياق. .

 

جميعنا نتفهم الاعتراض على خطاب رجل دين في المجلس ولكن ليس على المجلس ككل وتنصيفه انه تابع لحزب الله.

ولكن لان المقصود دوليا ليس تغييب الدور الشيعي في لبنان بل نزع الشيعة من لبنان، يتم استهداف هذه المؤسسة التي من المحتمل ان تكون نواة لحراك وحوار سياسي ثقافي يحفظ ما يمكن حفظه للشيعة في قادم الايام، وما يحصل اليوم مع المجلس الاسلامي انا لفت نظر سماحة العلامة الخطيب اليه عندما التقيته قبل اربعة اشهر. 

 

هذه الصورة كما هي:

دوليا عدم الشروع بترميم ما تهدم وربطه بنزع السلاح كي يخسر الشيعة فرصة اعادة الاعمار 

استهداف اسرائيل للبيوت الجاهزة في الجنوب هو تهجير ومنعهم من الاستقرار ولو بالحدود الدنيا.

الاستهداف اليومي من قبل اسرائيل خاصة لشباب الجنوب هو في سياق افراغ الجنوب حتى من شبابه وان كانوا لا ينتمون لاي حزب.

 

بقاء الاحتلال في الجنوب والتهديد الدائم وقصف المدن والقرى الشيعية خارج الجتوب هو في هذا السياق.

المشهد أكبر من لبنان. هو إعادة رسم المنطقة برمتها.

 

العراق قُسِّم فعلًا، سوريا تحوّلت إلى ساحة نفوذ متنازعة، فلسطين تُدفَن حيّة، ولبنان دخل العصر الأميركي بكل تفاصيله. حتى الغرب، الذي كان يومًا ما يروّج لدمقرطة الشرق، سحب يده، ولم يعُد مهتمًا بتطوير المجتمعات العربية، بل بإخضاعها وتقنين دورها.

 

وسط هذا الواقع، يصبح السلاح في يد الشيعة ليس خيارًا، بل ضرورة مؤقتة على الأقل، حتى بناء البدائل. لأنه إذا ما سُلّم هذا السلاح دون ضمانات حقيقية، فإن المدن والقرى الشيعية ستتحوّل إلى غزة جديدة، حيث لا مأوى ولا طبابة او دواء ولا حياة.

ولذلك، فإن رد الشيخ قاسم بحزم، في خطاب أُعِدّ مسبقًا، ليس فقط في سياق السلاح والمقاومة بل على ما هو أخطر: انه يردّ على السيناريو المقبل.

 

لأنه في ظل هذا الجنون الدولي، لا أحد بمأمن، جميع الاقليات في عين العاصفة.

في لبنان عشرات الالاف الفلسطينيين ولا نعرف ان كان سيهجر المزيد اليه، كما يوجد ملايين السوريين وهل سيكون توطينهم على حساب الشيعة، وبداية نهاية لبنان.

ويبقى السؤال: من يسمع؟

بقلم: ناجي علي أمهز

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى