السياسية

طرابلس ليست سلعة شعبوية: كفى تضليلًا باسم الغضب!

بقلم: لبنى عويضة…
خاص: جريدة الرقيب الالكترونية

فساد، محاصصة، خراب شامل… هي الشعارات الجاهزة التي يرفعها البعض عند كل استحقاق بلدي أو نيابي. يتقنون فن الشكوى، ويستعرضون المآسي على أنها اكتشافات عظيمة. أما الحلول؟ فهي غائبة، ومركونة على هامش الغضب.

أن تتهم الجميع، فهذا ليس نقدًا، بل عجز.
وأن تعتبر كل من يترشح للانتخابات البلدية اليوم “واجهة مشبوهة”، فهذه ليست غيرة على المدينة، بل تسويق لفكرة أن لا أحد يصلح، وأن الخراب قدر محتوم، إلا إذا جاء “المنقذ المجهول” الذي لا نراه إلا في المقالات والشعارات.

الحديث عن “مؤامرات انتخابية” و”تمويل خفي” و”لوائح محروقة” هو تهويل فارغ لا يسنده دليل واحد. فما يُطرح كحقائق ليس أكثر من انطباعات سطحية معادة ومكررة. والأسوأ أن البعض ينصّب نفسه وصيًا على إرادة الناس، متهمًا أبناء المدينة سلفًا بأنهم سيسقطون في فخ السياسيين… كأن الطرابلسي لا يعرف من ينتخب!

طرابلس ليست ورقة في لعبة تصفية حسابات شخصية.
هي مدينة حقيقية فيها كفاءات حقيقية، وفيها من يترشح اليوم لا طمعًا بمنصب، بل تعبًا من التنظير والتشويه المجاني.

نعم، البلدية مقصّرة، والمدينة تعاني.
لكن لنتحدث بوضوح: من يختصر أزمة طرابلس بشعار “كلهم فاسدون” لا يبحث عن حلّ، بل يرفع شعارًا شعبويًا يُتوجّه به بطلًا من ورق.

أما الحديث عن الكلاب الشاردة ونهر أبو علي، فهو تسطيح مقصود للمشهد العام. نعم، هذه قضايا موجودة ومؤلمة، لكنها لا تختصر العمل البلدي كله. الإدارة العامة اليوم مكبّلة بتعقيدات تشريعية ومالية تتجاوز سلطة البلدية أحيانًا. والسؤال الحقيقي: كم من الذين يملؤون الشاشات والمقالات بالانتقاد ساهموا فعلًا بالضغط لتغيير القوانين؟ كم سارعوا لتأمين تمويل حقيقي لمشاريع طرابلس بدل الإكتفاء بالصراخ؟

من السهل أن نصرخ. من السهل أن نُسقط الغضب العام على الانتخابات المقبلة.
لكن الأصعب والأشرف هو أن ندقق ونحاسب ونختار، لا أن نهاجم كل شيء دفعة واحدة ونشطب كل الفرص قبل أن تبدأ.

إن الخلط بين الانتقاد المشروع والتعميم الظالم هو أخطر ما تواجهه طرابلس. فالشعارات العشوائية اليوم تمثل إهانة صريحة لكل ابن نزيه من أبناء المدينة ترشح بجهده وسيرته لا بمال أو تبعية.

ومن يجهل أبجديات الإدارة العامة يظن أن العمل البلدي بعيد عن السياسة.
والحقيقة أن كل قرار بلدي، من تعبيد طريق إلى بناء مدرسة، هو عمل سياسي بامتياز، لأنه يرتبط بإدارة شؤون الناس اليومية وتحديد الأولويات وتوزيع الموارد وتحقيق التنمية.

أما التحالفات، فهي ليست عيبًا كما يدعي البعض، بل ضرورة.
لأن المدينة لا تُدار بالشعارات، بل بالأكثرية الفاعلة القادرة على اتخاذ القرار وتنفيذ المشاريع. التحالفات وسيلة لحماية المصلحة العامة، بشرط أن تُبنى على برامج واضحة وخطط عملية.

الهروب من التحالفات هو هروب من المسؤولية، وليس بطولة.
البطولة الحقيقية هي مواجهة وجع أبناء المدينة والعمل لأجلهم، لأن المصلحة العامة وحدها هي البوصلة التي يجب أن توجّه السياسيين والناشطين معًا.

وإلى الذين يلوّحون بالأحاديث الدينية سلاحًا عاطفيًا للضغط على الناس وابتزاز مشاعرهم، نقول:
من يقول ما لا يفعل هو من يدّعي النقاء ويهاجم كل محاولة إصلاح، ثم يختفي حين يُطلب منه أن يتحمّل مسؤولية موقفه.

طرابلس لا تحتاج المزيد من البكاء على الأطلال.
طرابلس تحتاج رجالًا يعملون، لا كتّابًا ينتقدون من شرفات الفيسبوك.

زر الذهاب إلى الأعلى