اخبار ومتفرقات

الذهب صعودًا… ونهاية الدولار كملاذ آمن؟

في عالم المال والاستثمار، لطالما مثّل الدولار الأمريكي “الملاذ الآمن” الأول للمستثمرين عند اشتداد الأزمات. فمنذ منتصف القرن العشرين، ظل الدولار يتربع على عرش النظام المالي العالمي، مدعومًا بقوة الاقتصاد الأمريكي وثقة الأسواق العالمية فيه.
غير أنّ ما نشهده اليوم من تحولات يشير إلى أنّ هذا العرش بدأ يهتز. لا بسبب ضعف مباشر في بنية الاقتصاد الأمريكي، بل نتيجة لفقدان تدريجي للثقة في السياسات التي تُدير هذا الاقتصاد وتُوظّف قوته في ساحات الجغرافيا السياسية.

الدولار… حين يفقد هيبته

منذ مطلع عام 2025، تراجع مؤشر الدولار الأمريكي بما يزيد عن 11%، وذلك رغم تصاعد التوترات العالمية، من حروب وصراعات إقليمية، إلى أزمات اقتصادية.
هذا التراجع يبدو للوهلة الأولى مفارقة؛ إذ جرت العادة أن يزداد الطلب على الدولار في مثل هذه الظروف بوصفه ملاذًا ماليًا مستقرًا. لكن الواقع هذه المرة أكثر تعقيدًا.

فالسياسات الاقتصادية الأمريكية، لاسيما فرض العقوبات على دول كبرى والعودة إلى النزعة الحمائية، جعلت العديد من الدول تعيد النظر في احتياطاتها من الدولار.
فقد أظهرت أزمة تجميد الأصول الروسية، على سبيل المثال، أنّ الاعتماد على الدولار لم يعد قرارًا ماليًا فحسب، بل محفوفًا باعتبارات سياسية قد تُهدّد الاستقلال المالي للدول.

الذهب دائمًا ما كان في الواجهة

وفي ظل هذا التراجع في الثقة، تصدر الذهب الواجهة العالمية، لا كمجرد أداة استثمار، بل كـ”أصل استراتيجي”.
فمنذ بداية عام 2025، قفزت أسعار الذهب بأكثر من 34%، مدفوعةً بزيادة الإقبال عليه من قبل البنوك المركزية، خصوصًا في الصين والهند والدول النامية، إلى جانب المستثمرين الأفراد الباحثين عن ملاذ آمن ومستقر.

هذا الارتفاع لا يُمكن اعتباره مؤقتًا، بل يعكس تحولًا عميقًا في النظرة إلى الذهب بوصفه الحافظ التاريخي للقيمة، والذي لا يتأثر بسياسات الفائدة أو القرارات النقدية، ولا يمكن التلاعب بإمداداته كما يحدث مع العملات الورقية.

فالذهب… أكثر من مجرد سلعة عادية. لونه اللامع، وندرته، واستقراره عبر العصور، جعلت منه مخزنًا للقيمة على مدى آلاف السنين. استخدمته الحضارات القديمة، وما زالت الحكومات الحديثة تحتفظ به في خزائنها كجزء أساسي من احتياطاتها النقدية.

وفي زمن تتعاظم فيه التقلبات الاقتصادية، يعود الذهب ليؤكد مكانته كأصل آمن، يُقبل عليه الأفراد والمؤسسات، لما يقدّمه من حصانة ضد التضخم، والسياسات النقدية المتهورة، والاضطرابات العالمية.

ما الذي يُحرّك أسعار الذهب؟

رغم أنّ العرض والطلب يبقيان العاملين الأساسيين في تحديد سعر الذهب، إلا أنّ هناك عوامل أعمق وأكثر تأثيرًا، منها:

▪︎ تقلبات سعر صرف الدولار الأمريكي.
▪︎ السياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي.
▪︎ معدلات التضخم العالمي.
▪︎ التوترات الجيوسياسية.
▪︎ ثقة المستثمرين في الأسواق.
▪︎ الحروب والأزمات الطارئة.

ومع كل تصاعد في هذه المؤشرات، يزداد الإقبال على الذهب كخيار يحفظ الثروة من التآكل.

كيف يمكن الاستثمار في الذهب؟
يتوفر الذهب كأداة استثمارية بعدة أشكال، تناسب مختلف الاستراتيجيات والقدرات، منها:
▪︎ شراء السبائك أو العملات الذهبية.
▪︎ الاستثمار عبر صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) المتخصصة بالذهب.
▪︎ التداول في العقود الآجلة للذهب.
▪︎ شراء أسهم شركات تعدين الذهب

ما يميز الذهب هو مرونته وتنوع خياراته الاستثمارية، وقدرته على التكيّف مع الأزمات، سواء كوسيلة احتياط أو كأداة لتنويع الخيارات الاستثمارية.

هل نحن أمام نظام مالي جديد؟
ربما لا يُمكن القول إنّ الدولار يفقد مكانته بين ليلة وضحاها، لكن المؤشرات الراهنة تدل على أنّ العالم يسير نحو نظام مالي متعدد الأقطاب. لم يعد الدولار وحده يملك مفتاح الاستقرار. عودة الذهب، وتعاظم دور عملات بديلة، وتنامي الحديث عن فك الارتباط بالدولار في التبادلات الدولية، كلها إشارات تدفعنا لإعادة النظر في خريطة “الأمان المالي”.

وفي هذا المشهد المتغيّر، يبدو الذهب وكأنّه يستعد لاستعادة مكانته التاريخية. لم يفقد بريقه، بل يُعيد التأكيد على دوره… لا كرمز للثروة فحسب، بل كحارسٍ لها في زمن التحوّلات الكبرى.

زر الذهاب إلى الأعلى