اخبار ومتفرقات

عودة حليمة لعادتها القديمة

لقد مارس الحاكم السابق رياض سلامة خلال فترة توليه لمنصبه في حاكمية مصرف لبنان من العام 1993 لغاية العام 2023 كل انواع السياسة فكانت نتيجة هذه الممارسة ما وصلنا اليه في نهاية العام 2018 من هدر لاحتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة ، الى توزيع لقروض على الخواص وهندسات مالية ، والوصول في النهاية الى خسائر كبيرة في مصرف لبنان تمظهرت في فجوة كبيرة في ميزانية مصرف لبنان تجاوزت السبعين مليار دولار .

اليوم هناك طرح لمشروع اصلاحي لمصرف لبنان من خلال تعديل قانون النقد والتسليف لمنع تكرار ما حصل سابقا” ، فحاكم مصرف لبنان هو شخصية محورية في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي للبلاد ، لكن دوره محدد بدقة بموجب قانون النقد والتسليف ، الذي يفصل بين الوظيفة التقنية للجهاز المصرفي والمشهد السياسي. ومع ذلك، شهد لبنان تجارب مثيرة للجدل، أبرزها حالة رياض سلامة، والذي تحول من “مهندس الاستقرار المالي” إلى متهم بالفساد واختلاس المال العام بعد تدخله في السياسة وتجاوز دوره القانوني والمهني. 

انطلاقا” من التجربة السابقة سنعرض الاثار السلبية لما حصل في ظل الحاكم السابق :

تحول رياض سلامة من الحاكم التقني إلى المتهم السياسي خلال فترة حكمه (1993–2023)، حيث ارتبط اسمه بسياسات الحكومة ، خاصة في عهد الرئيس رفيق الحريري ، مما أضعف استقلالية المصرف المركزي وقد أدى تدخله إلى خلق سياسات مالية غير مستدامة ، مثل تثبيت سعر الصرف بشكل مصطنع ، مما ساهم في انهيار الاقتصاد عام 2019 وفقدان الليرة 98% من قيمتها . هذا الواقع ادى الى ان يواجه اليوم اتهامات بالفساد واختلاس مئات الملايين عبر شركات وهمية ، ما يثبت أن تجاوز الدور التنظيمي يؤدي إلى تفكك الثقة بالمؤسسة المالية .

ان الواجب القانوني وفق المادة 22 من قانون النقد والتسليف ، يمنع الحاكم من ممارسة أي نشاط سياسي أو الانتماء إلى أحزاب ، يفرض عليه “الحياد المطلق” لضمان نزاهة القطاع المالي وعندما يتحول الحاكم إلى صوت سياسي ، ويفقد المصرف المركزي مصداقيته الدولية ، كما حدث عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سلامة لاستغلاله منصبه في تعزيز أجندات شخصية .

ان قانون النقد والتسليف يخول الحاكم صلاحيات تنظيمية بحتة ، مثل تحديد السياسات النقدية والإشراف على المصارف ، دون الحق في التأثير على التشريعات أو التصريح السياسي . ان تصريحات سلامة الداعمة لسياسات حكومية معينة (مثل “الهروب للأمام” المالي) خالفت مبدأ الحياد، وساهمت في تفاقم الأزمة . ان القانون ينص على إقالة الحاكم إذا ثبت إخلاله بواجباته، كما حدث مع سلامة الذي وُجهت له تهم “الإهمال الجسيم” .

ان عودة الحاكم الجديد للتدخل في عمل الحكومة والمجلس النيابي من خلال التصريح للاعلام لفرض عدم اقرار اصلاحات او من خلال فرض تعيينات وفق ما يستهويه رأيه السياسي او الطائفي يمكن ان يؤدي الى تقويض الاستقرار، ان أي تصريح سياسي او طائفي من حاكم المصرف يثير شكوكًا حول نزاهة القرارات المالية، كما حدث عندما نُسبت تصريحات غير رسمية إلى الحاكم مؤخرًا ، مما اضطر المصرف لنفيها فورًا . ان تدخل الحاكم في نقاشات القوانين (مثل مشاريع الإصلاح) يجعله طرفًا في الصراع السياسي، بدلًا من كونه ضامنًا لحماية مدخرات المواطنين .

ان تجربة رياض سلامة تثبت أن تدخل حاكم المصرف المركزي في السياسة هو “قنبلة موقوتة” تهدد الاقتصاد الوطني. لذلك على الحاكم الجديد الالتزام الصارم بالقانون، والابتعاد عن أي انحياز سياسي، والتركيز على إصلاح النظام المالي المنهك. كما يجب على القضاء والرأي العام مراقبة أي تجاوزات، لأن استقلال المصرف المركزي ليس رفاهية، بل شرطًا أساسيًا لعدم وقوع لبنان في الانهيار مجددا” .

بقلم د. عماد عكوش


المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.

زر الذهاب إلى الأعلى