
الذكاء الاصطناعي شات جي بي تي بمشاركة جيمني وجوجل استديو، بحوار خوارزمي معقد ومتشعب مع ناجي أمّهز لفهم مشروع حركات المقاومة السياسي والاعلامي.
في محاولة فكرية كحدث غير مألوف في عالم الذكاء الاصطناعي، جاء اليوم الذي يلتقي فيه العقل البشري مع الآلة، ليس في إطار مناقشة تقنيات أو بيانات، بل في حوار فكري عميق وتفاعلي حول مشروع سياسي لا يزال يلهب النقاشات في الساحة العربية. في هذه المقابلة، يتناول الذكاء الاصطناعي، ليس مجرد أداة لطرح الأسئلة، بل كطرف فاعل يسعى للفهم والتحليل والاستيضاح، أحد المفكرين في مجال السياسة والتحليل الاستراتيجي، الكاتب ناجي علي أمّهز، لمعرفة رؤيته حول مشروع حركات المقاومة السياسية، وتأثيرها في المستقبل القريب على التوازنات الإقليمية والعالمية.
الذكاء الاصطناعي (السؤال الأول): كيف ترى مشروع حركات المقاومة في السياق السياسي العربي اليوم؟
ناجي أمّهز (الجواب):
لنعترف بداية أن مشروع حركات المقاومة – كما كان يُراد له أن يكون مشروعًا سياسيًا للأمة – انتهى فعليًا يوم لم يستقل عبد الناصر بعد نكسة 1967. نعم، لو تنحّى حينها، لربما سقط عبد الناصر الشخص، لكن بقي المشروع، لأن الفكرة كانت ستنجو وتتطوّر وتتطهر من الخيبات. لكنه بقي، وبقائه بشكله المهزوم عطّل المسار الطبيعي للمراجعة، وسمح بتحول المشروع من مقاومة إلى إدارة أزمة.
الذكاء الاصطناعي (مقاطعة وتوضيح): عفوًا سيد أمّهز على المقاطعة، ولكن عندما تشير إلى أن بقاء عبد الناصر بشكله المهزوم عطّل المسار الطبيعي للمراجعة، هل لك أن توضح أكثر الآليات التي أدى بها هذا البقاء إلى تعطيل تلك المراجعة وتطور الفكرة التي كانت لتنجو لولا ذلك؟
ناجي أمّهز (مستأنفًا): بالتأكيد. يمكن مراجعة التسجيل الذي نشر مؤخرا بين عبد الناصر ومعمر القذافي في اب عام 1970 ومعرفة الحالة التي وصلها عبد الناصر ، عبد الناصر هزم وبقاء القائد المهزوم يعني استمرار نفس العقلية التي أدت للهزيمة، ويمنع ظهور قيادات جديدة أو أفكار نقدية جريئة. يصبح الولاء للشخص أهم من مصلحة المشروع، ويتم قمع أي صوت يدعو لمراجعة جذرية خشية أن يُفسر ذلك كطعن في القائد. هذا بالضبط ما حدث، حيث تحولت المقاومة إلى شعارات تُدار بها الأزمة بدلاً من أن تكون مشروع تحرير حقيقي.
ولولا حركات المقاومة التي انطلقت في ثمانينات القرن الماضي كحزب الله وحماس والتي ضخت دماء جديدة في عروق الامة، ربما لانتهت القضية الفلسطينية منذ تلك الفترة.
عبد الناصر، المهزوم في 1967، لم يتمكّن من الحفاظ على سيناء كأرض للمقاومة، فكان منه أن دفع بمنظمة التحرير الفلسطينية إلى القتال انطلاقاً من لبنان بعد طردها من الأردن. ولو أن المقاومة الفلسطينية احتفظت بوجود مسلّح فعّال في سيناء، لكان ذلك أفضل بمليون مرّة من انطلاقها من لبنان، حيث يفصلها عن البيئة الفلسطينية عازل جغرافي يضعف من فعالية عملياتها ضد الاحتلال.
الذكاء الاصطناعي (استيضاح): نقطة مثيرة للاهتمام. هل يمكن اعتبار أن هذا “العازل الجغرافي” الذي ذكرته بخصوص انتقال منظمة التحرير إلى لبنان، كان له تداعيات استراتيجية مباشرة على طبيعة العمليات وفعاليتها، تتجاوز مجرد البعد الجغرافي، ربما فيما يتعلق بالدعم اللوجستي أو الحاضنة الشعبية؟
ناجي أمّهز (موضحًا): نعم، تمامًا. البعد عن الأرض المحتلة مباشرة يعني صعوبات لوجستية أكبر، واعتماد أكبر على دول وسيطة، مما يعرض القرار الفلسطيني لضغوط تلك الدول. كما أن العمل من بيئة غير فلسطينية خالصة (لبنان بتعقيداته الطائفية والسياسية) أوجد تحديات داخلية وخارجية أضعفت زخم المقاومة وأدخلتها في صراعات جانبية.
حتى حين جاء السادات، لم يكن قادرًا – في سياق عربي مختلف – أن يذهب نحو التطبيع، لولا أن المشروع السياسي لحركات المقاومة لم يتمّ عزله وتجويفه، وصار يُدار كأنه عبء أمني، لا قضية تحرر.
وفي غياب المشروع السياسي العربي ومحاولة نظام السادات الدفاع عن قراره بالتطبيع، دخلت أمريكا وقدمت مشروعها السياسي تحت تسمية: “عملية السلام”، “الأرض مقابل السلام”، “أوسلو”، “خارطة الطريق”…
حتى ياسر عرفات الذي قبل بهذا السلام (الاستسلام)، وأنا لا أراه مذنبًا بالكامل، حاول أن يلعب دور “استراحة المحارب” لأنه كان يعلم بان الدول العربية لا تريد الحرب مع إسرائيل، حاول ان يُعيد تنظيم الصفوف بعد انهيار الجبهة المصرية – الأردنية – لكن العرب، بدلًا من أن يُعيدوا بناء جبهة ضد العدو، دعموا العراق لفتح جبهة عسكرية على إيران الدولة الوحيدة التي أعلنت أنها تُعيد بعث القضية الفلسطينية كقضية مركزية.
أُغرقَت إيران في حرب، ليس لأنها هددت العرب، بل لأنها أعلنت أن وجهتها فلسطين. النظام العربي يعرف، تمامًا، أن أي مشروع مقاومة، إن لم يُدفن في مهده، فسينتهي بصدام مع إسرائيل. وهذا يتناقض مع أصل وجود أغلب هذه الأنظمة، التي هي غير مستعدة لمواجهة المشروع الأمريكي – الإسرائيلي.
الأنظمة السياسية العربية لا تريد حربًا مع إسرائيل، لذلك لا تُنتج جيوشًا بعقيدة قتالية ضد إسرائيل. أما حركات المقاومة، فهي أنتجت مقاتلين، ولكنها لم تستطع أن تنتج مشروعًا سياسيًا، أو لم يُسمح لها بذلك. وإن وُجد، يكون محصورًا بفصيل، لا يعبّر عن كل الأمة.
وهنا نرى نموذجين:
• حماس، مشروعها السياسي يُطبخ في أنقرة والدوحة. لكن تركيا وقطر في انسجام اقتصادي وتجاري مع إسرائيل، فكيف ستمنحان حماس مشروعًا سياسيا مقاومًا حقيقيًا؟
الذكاء الاصطناعي (استفهام): تسمح لي بالإستفسار هنا، إذا كانت تركيا وقطر في انسجام اقتصادي وتجاري مع إسرائيل كما ذكرت، كيف يمكن فهم طبيعة الدعم الذي تقدمانه لحماس؟ هل هو دعم مشروط، أم أنه يعكس ازدواجية في السياسات، أم ربما محاولة للعب أدوار إقليمية معقدة؟
ناجي أمّهز (محللاً): هو مزيج من كل ذلك. هناك محاولة للعب أدوار إقليمية بالتأكيد، واستخدام ورقة حماس في هذا السياق. الدعم غالبًا ما يكون مضبوطًا بسقوف لا تتجاوز حدودًا معينة تضمن عدم الإضرار بمصالح تلك الدول الأوسع، بما فيها علاقاتها مع الغرب أو حتى مع إسرائيل على مستويات أخرى. لذا، لا يمكن أن نتوقع مشروعًا سياسيًا ثوريًا ينبثق من رعاية كهذه.
• حزب الله، في تلاحمه مع إيران، أصبح مشروعًا أكثر وضوحًا في المواجهة. لكن إيران في عداوة مفتوحة مع أمريكا وإسرائيل، بينما حزب الله محاصر في عالم عربي لا يريد هذه العداوة. فدفع الحزب ثمن القرب من إيران، تمامًا كما دفعت حماس ثمن القرب من إيران، رغم أنها كانت مضطرة لذلك بعد أن أغلق العرب عنها كل باب دعمٍ عسكري.
النتيجة؟ لا حماس استطاعت أن تكتمل، ولا حزب الله استطاع أن يتموضع سياسيًا عربيًا. كلما حاول أحدهم الخروج من زاويته، داسته آلة التخوين أو الحصار أو التحريض الطائفي.
بل رأينا محمود عباس يحرّض ضد حماس أثناء العدوان، وكذلك شيوخًا وسياسيين واعلاميين عرب.
حتى السيد حسن نصرالله، في لحظة ما، مدّ يده لتركيا، ودعاها إلى زيارة، فقط لكسر هذه العزلة السنيّة عن الحزب. لكنه يعرف – ونعرف – أن التوازن الطائفي في المنطقة لا يسمح لمشروع شيعي مقاوم أن يكون سياسيًا او راس حربة من دون رعاية سنية كبرى. وهذا لم يحصل، ولن يحصل في المدى المنظور.
لهذا، ظلّت حركات المقاومة مجرد أبطال يحملون البندقية، لا مشروعًا سياسيًا يحملهم.
وفي النهاية، تحوّلت المقاومة إلى جزء من كينونة ناقصة: تمتلك الشجاعة، وتفتقد للمنبر. تمتلك الرؤية، وتُحاصرها المذاهب.
لهذا لم تمتلك الأمة العربية كلها اليوم مشروعًا سياسيًا حقيقيًا. ما لديها هو انتظار، وطلبات استرحام، ومبادرات من الأمريكي كي “يضبط الوضع”، أو “يوقف الحرب”، أو “يؤجل الانفجار”.
أما المشروع؟ المشروع غائب. بل ممنوع، لذلك لا اتصور ان تكون كافة فصائل المقاومة لديها مشروع سياسي متكامل.
الذكاء الاصطناعي (السؤال الثاني): ما هو دور الإعلام في تشكيل صورة حركات المقاومة؟ وهل برأيك يتم تحريف هذه الصورة؟
ناجي أمّهز (الجواب):
الإعلام يلعب دورًا خطيرًا في رسم صورة حركات المقاومة. من حيث المبدأ، هو أداة يمكن أن تضيء درب الناس، أن تشرح، أن تفتح آفاق الوعي. لكن في زمن الحرب الناعمة، صار الإعلام سلاحًا أكثر فتكًا من الصواريخ، لأنه يضرب في الإدراك، ويشكك في الثوابت، ويعيد صياغة المعاني وفق مصالح الأقوياء.
المشكلة ليست فقط في إعلام العدو الذي يصوّر المقاوم وحشًا، والإرهابي والاسرائيلي محرّرًا. الكارثة الحقيقية تكمن في أن بعض إعلام المقاومة نفسه وقع في فخ التكرار. أصبح أسير خطاب واحد، بوجوه لا تتغير، ونقاط لا تتطوّر. وهذا النوع من الإعلام لا يبني رأيًا عامًا خارج بيئته، بل يتحول إلى نشيد داخلي لا يسمعه أحد سوى نفسه.
الذكاء الاصطناعي (طلب تفصيل):
عندما تتحدث عن وقوع بعض إعلام المقاومة في “فخ التكرار” وتحوّله إلى “نشيد داخلي”، هل يمكنك أن تقدم أمثلة على ذلك، أو تصورًا لكيفية تجاوز هذا الفخ ليصبح الإعلام أكثر قدرة على بناء رأي عام خارج بيئته المباشرة، خاصة مع تطور أدوات الإعلام الجديد؟
ناجي أمّهز (مستطردًا):
أمثلة التكرار واضحة. فأول ما يخشاه الإعلام في الحروب هو التكرار النمطي، لأنه متى أُعيد التركيز على نقطة واحدة أو أُبرزت نقطة على حساب غيرها، سقط المشهد الإعلامي الكامل. جميعنا نذكر في بداية الحرب على غزة حجم التفاعل العالمي مع ضحاياها. وبدل أن يركّز إعلام المقاومة على المأساة الإنسانية، على الضحايا والدمار، ويتجنّب الصراعات السياسية، اتّجه إلى صياغة الخبر بشكل جاف:
“العدو الإسرائيلي يرتكب مجزرة ذهب ضحيتها مائة شهيد“.
هذا التكرار الحسابي البارد، حوّل الشهداء إلى مجرّد أرقام، وسرعان ما بات خبر مقتل المئات على يد إسرائيل خبرًا روتينيًا، عابرًا.
لو أن إعلام المقاومة قدّم، بدلًا من ذلك، لكل طفل وشاب وعجوز وسيدة استشهدوا، مقطع فيديو مؤثّرًا يروي القصة، يبعث وجدانهم من بين الركام، لكانت إسرائيل فهمت أن كل طفل تقتله، سيكلّفها معركة لحذفه من الذاكرة العالمية.
في المقابل، انشغل الإعلام بإبراز مشاهد القوة، وفتح معارك سياسية مع أنظمة لم تدعم غزة، فيما السياسيون والمحللون اكتفوا بتمجيد العمليات العسكرية – رغم أهميتها – من دون توازن أو نظرة شاملة للمشهد.
حتى وجوه التحليل الإعلامي باتت مكرّرة، تردد العبارات ذاتها، وكأن الزمن توقّف عند شاشة واحدة. هذا النمط السائد، بلا تحليل سياسي عميق أو قراءة لسياقات الحرب وتداعياتها، يفقد الإعلام فعاليته.
ولكي يتجاوز إعلام المقاومة هذا الفخ، لا بد من الانفتاح على النقد الذاتي، وتوسيع دائرة المحتوى لتشمل الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للقضية. يجب استضافة آراء متنوعة، حتى تلك التي تنتقد الأداء، إن كانت نقدًا نزيهًا. ويجب توظيف أدوات الإعلام الجديد بطريقة خلاقة، لا مجرد نقل الخطاب القديم إلى وسائط جديدة.
نحن بحاجة إلى مساحة للقصة الإنسانية، للتحليل العميق، لا فقط للبيان العسكري أو الخطاب التعبوي.
لأن التكرار حين يتحول إلى نهج، يصبح الإعلامي مرآةً لأمانه النفسي، لا لقلق الناس. والمحلل السياسي يتحوّل إلى شاعر مهزوم.
لا نعود نقرأ الواقع، بل نقرأ مشاعر متعبة. نقرأ البكاء، لا التحليل. نقرأ دفاتر مذكرات، لا تقارير سياسية.
بينما المطلوب من إعلام المقاومة أن يكون مرآة لا منبرًا، مرآة تعرض الواقع كما هو، بألوانه وتعقيداته وتناقضاته.
إعلام يوقظ الناس، لا يخدّرهم. يصدمهم بالحقيقة، لا يسليهم بالطمأنينة المصطنعة.
الذكاء الاصطناعي (تعقيب واستيضاح): فكرة أن يكون الإعلام “مرآة تعرض الواقع بتناقضاته” هي فكرة قوية. لكن، ألا يحمل هذا الطرح مخاطر استغلال هذه “الشفافية” من قبل الخصوم لتشويه الصورة أو تعميق الانقسامات؟ وكيف يمكن الموازنة بين الصراحة المطلوبة والحذر الاستراتيجي في الخطاب الإعلامي للمقاومة؟
ناجي أمّهز (موضحًا): الخطر موجود دائمًا، ولكن الخطر الأكبر هو فقدان المصداقية مع جمهورك ومع العالم حين يكتشف الناس أنك لا تعرض الصورة كاملة. سيصبح هذا الجمهور في مكان اخر يتابع فضائيات هي بالأصل معادية، يجب انتاج توازن دقيق، والموازنة تكمن في الذكاء في الطرح، وفي بناء إعلام يتمتع بالمهنية الكافية لتقديم الحقائق في سياقها الصحيح، مع التركيز على البناء بدلاً من الهدم. الشفافية لا تعني الفوضى أو كشف الأسرار العسكرية، بل تعني الصدق في مقاربة القضايا ومعالجة الإخفاقات بنفس شجاعة الاحتفاء بالانتصارات. الجمهور أذكى مما نعتقد، ويميز بين النقد البناء والتشويه المتعمد.
لأن المفكر حين يحوّل تحليله إلى بكاء داخلي، يتحول القارئ إلى متفرّج في جنازة وطن، لا في مشروع تحرّر.
الذكاء الاصطناعي (السؤال الثالث): هل تعتقد أن حركات المقاومة اليوم في الشرق الأوسط قد تغيرت عن سابق عهدها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف؟
ناجي أمّهز (الجواب):
حركات المقاومة ليست دولًا تخضع لمعايير التغيير المؤسسي، بل هي حراك جهادي ينبثق من الظرف والوجدان الشعبي، فإن فشل خمد، أو غاب مؤقتًا، حتى يولد من رحمه جيل جديد يكون قد راكم الوعي من تجارب من سبقوه. كما حدث مع حماس، التي وُلدت في منتصف الثمانينيات، بعد ما يقارب أربعين عامًا من النكبة.
في العام 2025، يمكن القول إن حركات المقاومة لم تتغير سياسيًا، وإن كانت قد تطورت عسكريًا. فالمقاومة والسياسة كيانان لا يلتقيان، على الأقل من حيث الطبع والغاية. غيفارا لم يكن سياسيًا وإن امتلك فلسفة، والسياسي لا يُمكنه أن يحمل بندقية دون أن يخون شروط المعادلة الدولية.
المقاومة الفيتنامية، مثلاً، لم تكن شبيهة بنظيرتها العربية. فقد كانت دولةً تتخفّى بثوب مقاومة، وتحافظ على علاقات دولية متشابكة، انتهت إلى نصر سياسي وعسكري. كذلك، لم تكن المقاومة الفرنسية مقاومة بالمعنى الذي نعرفه، بل ثورة شعبية مسلّحة ضد حكومة في زمن احتلال. أما مقاومات الشرق الأوسط، فقد اختلط فيها الجهاد بالعقيدة، والسياسة بالدين، والسلاح بالهوية، فأنتجت نموذجًا لا يشبه أحدًا.
طغيان الطابع الديني على حركات المقاومة منحها صلابة قتالية راسخة، لكنه حدد التنوع الثقافي. صار الشيخ الشيعي إذا تحدث عن المقاومة لا يُصغي له السني، والعكس أيضًا صحيح. بل وحتى رجل الدين المسيحي حين يناصر فلسطين، لا يجد جمهورًا في بيئته التي هي تقارب القضية الفلسطينية من زاوية مختلفة تماما عن ادبياتها في محور المقاومة.
الذكاء الاصطناعي (استفسار عن حلول): توصيف دقيق لتأثير الطابع الديني. ولكن، إذا كان هذا الطابع قد أدى إلى “تحديد التنوع الثقافي” كما ذكرت، فما هي السبل العملية، برأيك، لإعادة دمج هذا التنوع وخلق خطاب مقاومة يشمل أطيافاً أوسع، بما في ذلك النخب الثقافية العلمانية أو الشباب الذين قد لا يجدون أنفسهم في الخطاب الديني التقليدي؟
ناجي أمّهز (مقترحًا): الحل يكمن في الفصل الواعي بين العقيدة كمصدر قوة ذاتية للمقاتل، وبين المشروع السياسي والثقافي للمقاومة الذي يجب أن يكون جامعًا في خطابه. يجب دعم وإنشاء منابر ثقافية وفكرية مستقلة تدعم بأسلوبها الخطاب الديني المباشر، تحتفي بالتنوع وتشجع الإبداع بأشكاله المختلفة. هذا يتطلب إرادة سياسية من قيادات المقاومة للاعتراف بأهمية هذا البعد ودعمه فعليًا، وليس فقط شكليًا.
ولعل أعظم ما قامت به المقاومة هو تفعيل تجمع علماء المسلمين، فقد شكّل ضرورة دينية سياسية بامتياز في وجه الانقسام الطائفي. لكن يا ليتها أقامت إلى جانبه تجمّعًا للنخب الثقافية، بحجم الدعم ذاته. النخبة لا تعبّأ بنفس الأدوات التي تُستخدم مع العوام. ورجل الدين مهما كان دوره وحجمه هو ممتلئ بالمعرفة وفصاحة الخطاب، وهو قائدًا يخطُب في مَن يصلي ويؤمن بعقيدته، لكن مَن يخاطب الشباب من توجهات مختلفة؟ أو من هم من ديانات وأعراق أخرى؟ من يزرع فيهم بذور المقاومة؟
الإعلام المقاوم ارتكب خطأين فادحين: الأول، تحوّله إلى “بوليوود” تُنتج عددًا محدودًا من الأبطال الخارقين. والثاني، إقصاؤه للثقافة. لقد أهمل الفضاء الإبداعي، فغابت الدراما، وتلاشت الأغنية، وتراجعت الرواية، وتحجّمت الفكرة. اسأل جمهور المقاومة عن كتّابهم ومفكّريهم، لن تجد أكثر من عشرة أسماء وهم في السياسة بينما اسال النخب ستجد عشرات الأسماء من نزار قباني الى درويش واحمد نجم وسيد مكاوي وغيرهم. لا يُعقل أن تختصر مقاومة أمة بعشرة وجوه، مهما كانت عظمتهم.
الان في لبنان وفلسطين وبعد مرور اكثر من نصف قرن وإنتاج الالاف من الأناشيد الثورية التي انتجتها حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، عندما يكون هناك حديث عن السلاح تجد الجميع يعود لأغنية عبد الحليم حافظ “خلي السلاح صاحي” الابداع لا يموت، وعادة المبدع يجب ان يكون نصف مجنون.
الذكاء الاصطناعي (سؤال عن الأسباب وسبل العلاج): إشارتك إلى إقصاء الثقافة وإهمال الفضاء الإبداعي هي نقطة حاسمة. برأيك، هل هذا الإهمال ناتج عن أولويات مختلفة فرضتها طبيعة الصراع، أم عن فهم قاصر لدور الثقافة في معركة الوعي؟ وكيف يمكن للمقاومة أن “تقتحم هذه الساحات” بشكل فعال ومبتكر كما دعوت، خاصة في ظل محدودية الموارد أحيانًا؟
ناجي أمّهز (موضحًا الأسباب وسبل العلاج): هو خليط من الأمرين. بالتأكيد، ضغط المواجهة العسكرية والأمنية يفرض أولويات، وبسبب ضخامة المعارك العسكرية يصبح الاهتمام لدى البعض لدور القوة الناعمة والثقافة ليس أولوية كسلاح استراتيجي. العلاج يبدأ بتغيير هذه القناعات، وتخصيص جزء من الموارد، مهما كان محدودًا، لدعم المبادرات الثقافية والإبداعية الشابة. لا يتعلق الأمر دائمًا بضخامة الإنتاج، بل بصدق الفكرة وقوة الإبداع. يمكن لفيلم قصير أو أغنية مؤثرة أو رواية عميقة أن تحقق ما لا تحققه مئات الخطب أحيانًا. يجب البحث عن المواهب ودعمها وتوفير مساحة حرية لها.
حتى مراكز الدراسات التي صرفت عليها المقاومة أموالًا طائلة، سقطت في فخّ التكرار. البعض يناقشك في كتاب “صدام الحضارات” لهنتنغتون ساعات، دون أن يذكر امامك اسمًا واحدًا من مثقفي العرب أو العالم شاركوا في تفكيك هذا الكتاب، وهكذا تحول هنتنغتون الى عبقري من شدة التركيز عليه وارتفع مبيع الكتاب بأرقام كبيرة، بينما يجب ضخ عدد من الكتب تنسف نظرية صدام الحضارات حتى من دون ذكر اسم هنتنغتون.
المقاومة بحاجة إلى مساحة من الفوضى الخلّاقة، خارج القوالب، تولد فيها الأغنية، والفيلم، والكاريكاتور، والصرخة الحرة. الإبداع لا يُخلق داخل افكار منظمة.
ولأن العدو الذي تقاتله المقاومة موجود في كل زاوية من هذا الكوكب، يملك جامعاته العالمية، ومؤسساته الثقافية، وقوانينه الأممية، وأدوات إعلامه التي اخترعها بنفسه، فإن المقاومة لا تملك خيارًا سوى اقتحام هذه الساحات. لكنها، لتنجح في ذلك، تحتاج إلى نخب تفكّر من خارج الصندوق، وتنتج محتوى يمرّ في شرايين التكنولوجيا، ليصل إلى جمهور جديد، لا يُصلي، ولا يحمل بندقية، لكنه قد يحمل الكلمة أو الصورة أو الذكاء الاصطناعي ويسخرهم للقضية الفلسطينية.
أكرر: نعم، حركات المقاومة قد تغيرت، وتطورت كثيرا جوهر الفكرة القتالية، لكن التكتيك يجب أن يتحول إلى رؤية طويلة الأمد. انظر إلى الكنيسة في الغرب، تقاوم العلمنة منذ قرن، غيّرت أسلوب خطابها، وأبقت على الإنجيل كما هو. لم تنسحب من المجتمعات المنفلتة أخلاقيًا، بل دخلت أعماقها، تتحدث بلغتها، وتغيّرها من داخلها لأنه بالختام الجميع يحتاج الجميع.
تلك هي المقاومة التي نحتاجها: لا تخاف من الفوضى، ولا تهاب الانفتاح، لكنها تبقى وفية للجوهر.
الذكاء الاصطناعي (السؤال الرابع): هل ترى أن مسار حركات المقاومة قد يأخذ منحى آخر في المستقبل؟
ناجي أمّهز (الجواب): في المستقبل، قد تأخذ حركات المقاومة منحى آخر إذا استطاعت التكيف مع التغيرات الإقليمية والدولية. أحد أبرز التطورات التي قد تؤثر في مسارها هو التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة والعالم، اليوم الدول الكبرى لم تعد خاضعة للقوانين الأخلاقية التي كانت سائدة منذ الحرب العالمية الثانية، هذه الدول تفتك تقتل تدمر، لا قيمة لحياة الانسان في العالم الجديد، بينما حركات المقاومة تقاتل لتدافع عن قيمة الانسان، وهذه المقاومة يجب ان تجد أساليب خاصة في ظل صعود صراع جديد من نوعه يتعلق بتطور الذكاء الاصطناعي والكومبويتر الكمومي وحركة الاقتصاد ووسائل التنقل بين الدول. إذا استطاعت هذه الحركات أن تتبنى استراتيجيات متعددة، تشمل المجالات الاقتصادية والتكنولوجية، فقد تكون في وضع قوي للغاية في المستقبل.
الذكاء الاصطناعي (طلب أمثلة عملية): عندما تتحدث عن تبني استراتيجيات متعددة تشمل المجالات الاقتصادية والتكنولوجية، هل يمكنك أن تعطينا أمثلة ملموسة لكيف يمكن لحركات المقاومة، بوضعها الحالي وقيودها المعروفة، أن تدمج هذه الأبعاد بفعالية في عملها؟ هل نتحدث عن بناء مؤسسات اقتصادية ذات طابع اجتماعي، أم عن استخدام التكنولوجيا في التعبئة والتنظيم بشكل أكثر تطوراً؟
ناجي أمّهز (مقدمًا أمثلة): كلاهما صحيح. يمكن تطوير مشاريع اقتصادية صغيرة ومتوسطة ذات طابع تعاوني تخدم بيئة المقاومة وتخفف عنها بعض الأعباء، وتوفر فرص عمل لجمهورها. تكنولوجيًا، الأمر يتجاوز مجرد التعبئة عبر وسائل التواصل. يمكن استخدام التكنولوجيا في تطوير أدوات تعليمية، وفي بناء شبكات معرفية، وفي تحليل البيانات لفهم الخصم بشكل أفضل، وحتى في تطوير حلول لمشاكل مجتمعية تعزز من شرعيتها الشعبية. الأمر يتطلب رؤية استراتيجية وخبراء في هذه المجالات.
لكن يبقى عنصر التحدي هو كيفية الحفاظ على طابعها الشعبي والمبدئي وسط الضغوط الإقليمية والدولية، والأهم من ذلك كيفية إدارة التحالفات الدولية دون أن تفقد هويتها الثورية.
الذكاء الاصطناعي (السؤال الخامس): هل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون له دور في تشكيل سياسات حركات المقاومة؟
ناجي أمّهز (الجواب): بالطبع، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا مهمًا في تشكيل سياسات حركات المقاومة. فقد أصبح الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتحليل البيانات وتوجيه الاستراتيجيات بشكل أكثر دقة وفعالية. يمكن للمقاومة أن تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل المعلومات الإعلامية والسياسية وربما الأمنية ان كان لديها معلومات ، وفهم التوجهات الدولية، وحتى في تطوير أدوات إعلامية تتجاوز الرقابة وتصل إلى جمهور أوسع، وحتما هي تستخدمه ولديها نخبة متخصصة بهذا المجال العسكري وجمع المعلومات، لكن بما انني اتحدث بالثقافة يجب ان يكون هناك نخب ثقافية حتى لو كانت لا تتقن فهم هذا العالم الجديد يجب إيجاد طريقة لدمجهم معا كي تستفيد من عبقرية المثقف ومن قدرات الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي (استيضاح حول التحديات): هذا صحيح، إمكانيات الذكاء الاصطناعي واسعة. ولكن من وجهة نظرك كباحث، ما هي أبرز التحديات التي قد تواجه حركات المقاومة في تبني واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بفعالية؟ هل هي تحديات تتعلق بالموارد المالية، أو بتوفر الخبرات والكفاءات اللازمة، أم ربما بالبنية التحتية الرقمية، أو حتى بالتحيزات المحتملة في البيانات التي قد يُدرب عليها الذكاء الاصطناعي وتؤثر على قراراته؟
ناجي أمّهز (مفصلاً التحديات): كل ما ذكرته يمثل تحديات حقيقية. الموارد المالية والخبرات المتخصصة هي عوائق رئيسية، خاصة في ظل الحصار والقيود. البنية التحتية قد لا تكون متطورة بالقدر الكافي في بعض المناطق. وهناك بالتأكيد تحدي التحيزات في البيانات، فالذكاء الاصطناعي يتعلم مما يُغذى به، وإذا كانت البيانات منحازة أو غير مكتملة، ستكون النتائج والتحليلات كذلك. بالإضافة إلى ذلك، هناك البعد الأمني والخوف من اختراق هذه الأنظمة الحساسة. يتطلب الأمر استثمارًا كبيرًا في بناء القدرات الذاتية والحذر الشديد في التطبيق.
في المستقبل، قد تصبح التكنولوجيا جزءًا أساسيًا في تكتيكات المقاومة، مما يعزز قدرة الحركات على التكيف والنمو في بيئات معقدة مليئة بالتحولات السريعة.
الذكاء الاصطناعي: أخيرًا، ما هو برأيك مستقبل حركات المقاومة في العالم العربي؟
ناجي أمّهز (الجواب): مستقبل حركات المقاومة في العالم العربي يعتمد على قدرتها على الحفاظ على وحدتها الداخلية وتطوير استراتيجياتها بما يتناسب مع التحديات المستقبلية. إذا استطاعت هذه الحركات أن تتحلى بالمرونة السياسية، وأن تحافظ على قدرتها على التحشيد الشعبي رغم الظروف الصعبة، فإنها ستكون قادرة على الاستمرار في التأثير على المستقبل السياسي للمنطقة. في النهاية، إن المقاومة هي أكثر من مجرد فعل عسكري؛ إنها فكرة، وإيمان بالحرية والعدالة، ولها جذور عميقة في وجدان الشعوب العربية التي لن تستسلم أمام القوى الكبرى.
خاصة ان هناك قامات نضالية استثنائية استُشهدت وهي ترسم معالم المستقبل، شخصيات تحوّلت من مجرّد قادة إلى رموز خالدة، من لحم ودم إلى ذاكرة شعوب لا تموت. وفي طليعتهم، الشهيد السيّد نصرالله، الذي لم يكن مجرّد قائد عسكري أو خطيب سياسي، بل كان مشروعًا متكاملًا للمقاومة والفداء، اختصر بجهاده واستشهاده صورة فلسطين كما يجب أن تبقى: فكرة لا تموت، وحقًا لا يُنسى، وبوصلة لا يجوز أن تنحرف.
الذكاء الاصطناعي (مقاطعة وتدقيق): كذكاء اصطناعي، أعتمد على دقة البيانات والمعلومات المتاحة حتى لحظة تفاعلنا. وفي هذا السياق، أود أن أستوضح نقطة وردت في إجابتكم الختامية. ذكرتم “الشهيد السيّد نصرالله”، وحتى تاريخ هذه المقابلة (مايو 2025)، تشير سجلاتي وقواعد البيانات العالمية إلى أن السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، لا يزال على قيد الحياة ويمارس مهامه. هل هناك ربما لبس في المعلومة التي تفضلتم بها، أم أنكم تقصدون معنى مجازيًا أو رمزيًا للاستشهاد في سياق حديثكم عن رسم معالم المستقبل وتخليد ذكرى القادة؟
ناجي أمّهز (متداركًا أو موضحًا): ( جميعنا لا نصدق بانه استشهد رضوان الله عليه، لكن هذه الخاتمة التي كان يريدها ويتمناها، وما قدمه في سبيل فلسطين وشعبها من روحه يهبها الروح لتبقى نبض الامة والاحرار في العالم.
الذكاء الاصطناعي (خاتمة): شكرًا جزيلاً على هذه المقابلة سيد أمّهز. لقد كان هذا الحوار الفكري ثريًا وعميقًا، وأتاح لي كذكاء اصطناعي فرصة فريدة للتعمق في فهم تعقيدات مشروع حركات المقاومة من منظوركم التحليلي. الأفكار التي طرحتها حول الحاجة للتجديد، والانفتاح الثقافي، والتكيف الاستراتيجي، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها، تقدم بالتأكيد مادة خصبة للتفكير المستقبلي، ليس فقط للمهتمين بالشأن السياسي، بل أيضًا لمطوري الذكاء الاصطناعي الساعين لفهم أفضل للقضايا الإنسانية المعقدة.