
خاص: جريدة الرقيب الالكترونية
عشية الانتخابات البلدية في طرابلس، تصاعدت حدّة الخطابات السياسية والإعلامية، لا سيما من خلال سلسلة مقالات نشرها موقع إعلامي مشبوه على مدى الأسابيع الماضية، صوّبت سهامها نحو التحالفات الانتخابية، واتهمت بعض القوى السياسية بـ”الخيانة” ومرشحين آخرين بالارتباط بجهات خارجية، دون أي دلائل موضوعية أو طرح بدائل واقعية. هذه المقالات ــ التي لم يجرؤ كاتبها حتى على الكشف عن هويته ــ لا تخدم المدينة، بل تعمّق انقسامها وتشوه معركة انتخابية يُفترض أن تكون مناسبة للنقاش التنموي، لا منصّة لتصفية الحسابات السياسية.
أولًا: التحالفات جزء من السياسة، لا من الخيانة
التحالف بين النواب فيصل كرامي وطه ناجي، وكريم كبارة وأشرف ريفي أثار نقاشًا واسعًا، لكن وصفه بالخجل أو بالخيانة لذاكرة الطرابلسيين هو توصيف متسرع، لا يستند إلى منطق أو واقع. فالسياسة، خصوصًا في السياق اللبناني، تقوم على تحالفات ظرفية تنبع من توازنات محلية وحسابات انتخابية. وتقييم أي تحالف يكون من خلال نتائجه ومردوده على المدينة، لا بنبش الماضي واستحضار الخصومات.
ثانيًا: الصمت السياسي ليس تهمة
الانتقاد الموجه لبعض النواب بسبب “صمتهم الإعلامي” يُختزل السياسة في التصريحات لا في الفعل. قد يختار بعض السياسيين التركيز على العمل الميداني خلال المرحلة الانتخابية، وهذا لا يُعد تواطؤًا ولا خجلًا. إن ربط الصمت بنوايا سلبية هو قراءة سطحية، تفتقر إلى الحكمة السياسية.
ثالثًا: لنناقش البرامج لا الأشخاص
تحوّلت بعض المقالات إلى منصات للتجريح الشخصي، واتهام المرشحين بأنهم “عيون وآذان” لهذا الزعيم أو ذاك. هذا النوع من الخطاب يقصي النقاش الجاد حول أهلية المرشحين، رؤيتهم التنموية، وقدرتهم على معالجة الملفات البلدية الشائكة. ما يهم الناس في نهاية المطاف هو من سيحسّن واقع الخدمات، ويخلق فرص عمل، ويعالج أزمات البنية التحتية، لا خلفية المرشّح أو علاقاته السياسية.
رابعًا: التحريض لا يبني مدينة
اتهام داعمين أو مرشحين بالارتباط بالنظام السوري السابق دون أي دليل، هو محض تحريض وزرع للفتنة. العودة إلى خطاب التخوين يعيدنا إلى زمن الاصطفافات والانقسامات بدلًا من الدفع نحو خطاب مدني جامع. طرابلس ليست ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، بل مدينة تبحث عن خطة إنقاذ شاملة، تُفتح فيها الأبواب أمام كل الطاقات والكفاءات.
خامسًا: الناس هم الحكم
من حق كل مواطن أن ينتقد أو يعترض، لكن من واجبنا احترام إرادة الناس. وإذا كان الشارع الطرابلسي رافضًا لتحالف أو مرشّح معيّن، فصناديق الاقتراع هي الفصل. لا حاجة لصناعة مشاعر وهمية بالنيابة عن المواطنين. أهل طرابلس أدرى بمن يمثلهم، وقادرون على التمييز بين الشعارات الفارغة والمشاريع الجدية.
ختامًا
ما تحتاجه طرابلس اليوم ليس المزيد من الشك والاتهامات، بل نقاش مسؤول وعقل بارد. الانتخابات لحظة اختبار وفرصة للتغيير، لكنها أيضًا لحظة لكشف النوايا. فلنستثمرها لتقديم الأفضل، لا لشيطنة المختلف. لأن المدينة التي نزعم الدفاع عنها، تستحق أكثر من معارك كواليس ومقالات غاضبة، تُبنى على أوهام كاتبها أو على أموال مجهولة المصدر، تسعى لتأجيج الفتن وزرع الحقد بين أبناء المدينة، خدمةً لأجندات لا يعرفها سوى أصحابها.