السياسية

حين يُباع الضمير بالدين ويُجمَّل الفساد بآياتٍ قرآنية

خاص: جريدة الرقيب الالكترونية

في كل استحقاقٍ انتخابي، يخرج علينا من يظنّ أن المال وحده يصنع الشرعية، وأن توزيع الحصص والتركيبات في الغرف الخلفية يمنحه تفويضًا شعبيًّا. لكن الطامة الكبرى حين يُرفع الغطاء الديني لتغطية ما لا يُغطّى: التمويل السياسي، والصفقات، والابتزاز الإعلامي، وتجميل كل هذا باسم الدين والعمل الصالح.

أن يُشبّه بعضهم نفسه بأبي بكر الصدّيق، ويستشهد بآياتٍ قرآنية لتبرير ضخّ المال السياسي، فهذه ليست سقطة فحسب، بل وقاحة مدوّية وانحدار أخلاقي لا يليق بوعي الناس، ولا بمكانة المدينة.
أبو بكر لم يكن تاجرًا لمشروعه الشخصي، بل نصير رسالة. أما أنتم، فأنتم أنصار مصالحكم الضيقة، تموّلون الطاعة، وتقصون من لا يدخل ضمن تركيبتكم الانتخابية، وتنهالون عليه بأشدّ العبارات وكأنكم أوصياء على الناس، أو أن لكم حقّ تصنيفهم وفق درجة ولائهم لكم.

تدّعون أن المال السياسي ليس عيبًا، وأنه “من عرق الجبين”، لكن المال الذي يُستخدم للسيطرة على الإعلام، والترويج لزعيم، وتمرير اللوائح، وشراء الألسن والولاءات، هو مال مشبوه، حتى لو جاء من الحلال. المشكلة ليست في مصدره فقط، بل في غايته: هل يُستخدم للبناء أم للهيمنة؟ وهل يُصرف من أجل المدينة، أم لاستعباد قرارها؟

أما الحديث عن “الصحافة البيضاء”، فهو إهانة للصحافة قبل أن يكون تلميحًا. من يوزّع التصنيفات على الإعلام وفق ولائه، لا يملك لا أخلاق الحوار، ولا شرف الحرية. ثم من أنت لتمنح الألقاب أو تحجبها؟ من أنت لتهاجم “الإقطاعي”، وأنت تمارس أبشع أنواع الوصاية، تحت ستار الكفاءة والتعب الشخصي؟ الكفاءة لا تُؤخذ بالاستعراض، بل تُثبت بالفعل. وطرابلس لا تحتاج إلى وصيٍّ جديد، يختبئ خلف خطب الإفطارات الرمضانية.

كفى كذبًا على الناس، كفى تدليسًا باسم الدين، كفى تسلّقًا على وجع المدينة وأهلها.
طرابلس ليست مضافة لأحد، ولا بوّابة مجد شخصيّ لأحد. هذه المدينة نزفت بما يكفي من كذب المتسلّقين وادّعاءات “المصلحين”. ومن يظنّ أنه قادر على شراء الوعي، وتخدير الناس بآياتٍ مختارة على قياس طموحه، فليعلم أن المدينة أذكى من أن تنجرّ خلف خطابٍ ممسوح بالورع ومليء بالتحكّم.
الانتخابات ليست مزادًا، ولا الإيمان ستارًا للهيمنة. فإمّا الوضوح… أو لتتنحَّ المسرحيات جانبًا.

زر الذهاب إلى الأعلى