
كان اميناً وصالحاً،تقيّاً وطاهراً،نقل بمهارة تفوق العجب ما اوحي اليه من السماء،قال آياته و وحد الناس وانتصر ثم اسلم الروح ومضى.
احتار احباؤه بكلماته والمحيطون به على درجة متفاوتة في حدّة الذكاء والشرح والنقل وحتى في التعبير.
كانوا جميعاً أوفياء الا انهم لم يكونوا في العلوم على دراية متساوية ولم يكن للجميع شخصية مميزة الحضور والتأثير.
وكان بين التلامذة المجتهد وكان الكسول وكان من يَفهم خطأ وصية الاستاذ.
وتضخم الخلاف مع المستمعين غير الشاهدين لأن الاجيال الجديدة لم.تكن حاضرة في زمن الأوائل إنما حفظوا ما اخبروهم إيّاه وفي كل مرّة يموت فيها عالم ويكمل المشوار استاذ من بعده كانت الأمور بحاجة لتفاصيل اكثر لإقناع مؤمنين جدد لأن الزمان اختلف وأشكال الثياب تغيرت وحتى معالم المدن والريف ما عادت نفسها وما عاد الماء شحيحاً و لم بعد من حاجة للقتال ولم يعد هناك من حاجة للسبي والغنائم والحروب بعدما اتسعت الأمّة إلى أقصى الحدود واصطدمت بباقي الأمم التي عادت فجمعت شملها وراحت تكيد وتتآمر للثأر وللإنتقام لأربابها اوّلاً وثانياً لقتلاها وثالثاً لقومياتها ولسلطاتها الضائعة.
فجوات وثغرات وشكّ يتعاظم بين المؤمنين من ناحية و من ناحية آخرى شعوبا لم تنم عن الانتقام واسترداد امجادها.
ظنّ المؤمنون انهم بتدمير اصنام الآلهة ينهون فكراً ومشاعراً وحنيناً للوثنية.
لم تستسلم بقية الآلهة كما اعتقد الجميع،وجدت جماعات الآلهة المهزومين طرقاً كثيرة لتعود.بأشكال مختلفة فمنهم من استمرّ على شاكلة ربّ مال او ربّ نفط وغاز او ربّ ملذّآت ومجون وكحول ومنهم من بقي يحرّض على الكفر بوحدة الإله ومنهم من استقرّ كمصارف.
لا آلهة السماء استسلموا و لا علماء المؤمنين اتفقوا على ردم المسافات المتحجرة فيما بينهم كلّ وفق اختلاف المناخ والطبيعة و راحة البال او التوتر الشخصي و وفق المكان فمن زار السجن ومات فيه ليس كمن دخل السجن وغادره وليس كمن استمرّ حرّاً مستقلاً وليس كمن هادن وقُتل و ليس كمن اختفى و ليس كمن مارس الباطنية لينجو.
كلّ هذا كان واضحاً إنما ما ليس من شك فيه ان المشهد الحالي ما عاد يشبه المشهد الأوّل لا بل اكثر فالإضافات والتعديلات و الشروح والتأويلات والاشارات والتلميحات والطقوس والتحوّلات جعلت من كل طوائف المؤمنين غرباء عن الانطلاقة البريئة للشرفاء.
هؤلاء لا يشبهون البدايات.
وإذا أضيف تأثر فلان وفلان بثقافات امم وشعوب وفلاسفة ومقدّسي الآخرين ازدادت غربة الآيات الأولى عن مؤمنين جدد مستمعين لاغير مهمتهمً إثبات صوابية معلمينهم واساتذتهم اكثر من توضيح قصد آيات الرب اما بحال عرفنا ان هذه الجماعات من المؤمنين قد تقاتلت فيما بينها وكفّرت كل فرقة الفرقة الأخرى وتارة كان الحكم لهؤلاء وتارة أخرى لأولئك لتأكدنا اكثر كم كان الثأر أفظع وكم كانت التعديلات اشرس وكم كان الحذف مدمّراً اكثر واكثر إلى ان وصلنا للحظة ما عاد المؤمن ينصر ويصدق ويثق بنوايا المؤمن الآخر بل يفضل ويستسهل الخيانة .
وهكذا تم خيانة الفدائيين.
وهكذا صار المؤمنون غرباء عن ربّهم الاوّل وهكذا انحرفوا عن الهدف الجوهري وهكذا مزّقوا الرسالة وخرجوا جميعا من المعبد الاساس وأقفلوا الابواب من خلفهم و راحوا يبنون معابدا لا تشبه معابدهم الأولى حتى نسوا ايهم كان المعبد الأول.
وتشتت الشمل وراح كل واحد يكيد كيده ويسعى سعيه الخاص.
ولم ينجح احد بإقناع اي أحد بصوابية رأيه إنما طعن كثيرون وغدروا.
هل رأى الحق متألمين وضحايا مثلنا؟
الحاليين لا شأن لهم بالاوائل.
اقول كلامي هذا واستغفر الله لي ولكم.
والله أعلم.
بقلم د.احمد عياش
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.