
بدأ الساسة المسيحيون، خاصة النخب المارونية، يدركون خطورة ما يُحضَّر للبنان من تغيير ديمغرافي، سيدفع الجميع ثمنه. ما يحدث اليوم يُحاكي تمامًا ما جرى عام 1919، حين بدأت ترتسم معالم العالم الجديد بعد الحرب العالمية الأولى.
والذي رحل اكثر من 90% من المسيحيين من موطن المسيح في فلسطين لاجل اسرائيل سيرحل كل الشرق لاجلهم، وهذه نتيجة طبيعية لفئات عملت بذكاء ودهاء كبير على ترتيب المنطقة بحيث تستطيع فئة قليلة جدا حكمها.
نعم، ترحيل الشيعة من لبنان أصبح مطلبًا دوليًا يتردد صداه في أروقة القرار العالمي والعربي. لكن النخب المسيحية تسأل اليوم: ماذا بعد الترحيل؟
فالشيعة لن يعودوا إلى الوراء، مهما كان الثمن، حتى لو اضطروا إلى خوض معركتهم الأخيرة… معركة ستكون “غزة” ثانية. والشعوب العربية، التي لم تحرّك ساكنًا لغزة بل ساهمت في حصارها بالصمت أو التواطؤ، لن يختلف دورها في حال استهداف الشيعة، وسط احتقان طائفي غير مسبوق.
فاليوم، مفتي سوريا يصف الشيعة بالسرطان ومجوس الأمة، وحاخام اليهود يعتبرهم “غوييم” خطيرين على محيط إسرائيل. أما معظم الأطراف الدينية، فتُحلّل استباحة دماء الشيعة جهارًا.
الجميع يعلم – اللبنانيون ودول القرار – أن القتل الإسرائيلي اليومي في الجنوب هو استفزاز مباشر للطائفة الشيعية. فالصاعد إلى الجنوب مفقود، والخارج منه مولود. الهدف واضح: جرّ الشيعة إلى إطلاق رصاصة واحدة، تأخذها إسرائيل ذريعة لشنّ عدوان واسع بدعم امريكي اوروبي علني، يرافقه حصار دولي وربما تفجير داخلي عبر خلايا متشددة، لإدخال لبنان في الفصل الأخير من تاريخه وتعدديته.
لذلك، أطالب المحللين في فلك المقاومة بالتوقف عن التصريحات والتحديات، وتخفيف العنتريات. كل تصريح يُسجل، وسيُستخدم لاحقًا كسلاح ضد البيئة الشيعية، تمامًا كما جرى بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فقد استُخدمت تصريحات سابقة، كانت في سياق السياسة، لتوجيه الاتهام للمقاومة، رغم علم الجميع، بمن فيهم المقرّبون من الشهيد الحريري، أن المقاومة كانت الأقرب إليه، وكانت لتضع الاستراتيجية الدفاعية بيده، لو بقي حيًّا… رحمه الله.
لكن السؤال الأكبر الذي يطرحه المسيحيون اليوم: ماذا بعد تهجير الشيعة؟
من سيملأ الفراغ؟
هل سيبقى أبناء البقاع والضاحية وبيروت هم أنفسهم؟
أم سنشهد مجتمعات بشرية لا تشبهنا لا في الشكل، ولا في اللهجة، ولا في الفلكلور والعادات؟
الشيعة يسمّون أبناءهم بأسماء قديسين مسيحيين. أنا مثلًا، أختي اسمها “برناديت”.
فهل الوافد الجديد يؤمن بهذا التعايش؟ هل يفهم هذه الروح؟ هل يملك ذات آليات الحياة في لبنان؟ هل يعرف حكاية كل شجرة ومعلم وتمثال وذكرى تاريخية.
نعم، بعض المسيحيين يقولون إن الشيعة لا يُشبهونهم… وهذا طبيعي، ففي البيت الواحد قد لا نتشابه.
لكن ماذا سيقول المسيحي حين يجد نفسه وسط من لا يعرفهم، ولا يفهمهم، من مئات الاف النازحين؟
المسيحي اليوم بدأ يرفع صوته: هناك حملات توعية نفسية وسلوكية بدأت لإخراج السوريين من بين البيوت المسيحية.. بدأ البعض يقول: الشيعة اجداد عن اباء هم لبنانيين.
أما الشيعة – للأسف – فكثير منهم يعبد المال.
لو جاءه سوري ودفع دولارًا واحدًا أكثر من ابن بلده، لأجّره البيت، واشتغل عنده، حتى لو كان هذا السوري هو سبب نفيه وتهجيره.
المسيحيون على كل المستويات يتحركون لطرد السوريين.
فهل حان وقت التحرك الشيعي؟
أين الخطاب الشيعي الواضح الذي يطالب بخروج هذه القنابل الموقوتة من بيننا؟
لا نقول نكرههم، بل فليعودوا إلى بلادهم، وليكفّوا عن لعب دور “البديل” للشيعة في أرضهم واعمالهم وارزاقهم، فالسوري لن يأحذ مكان المسيحي في غالبية الوظائفه لانه اصلا لا يعرف عنها شيء ولا هو هو مهيأ لها.
وبما أنني لا أُعوّل على غالبية المحلّلين الذين يدورون في فلك المقاومة أن يطرحوا، ولو لمرة واحدة، خطورة النزوح السوري، فذلك لأن معظمهم إما بعثيون سابقون أو قوميون سوريون يؤمنون بسوريا الكبرى، ولذلك لا يرون في هذا النزوح خطراً، أو ربما لا توجد هذه الفكرة أصلاً في قاموسهم السياسي.
حتى الأحزاب الشيعية؟ كنا نقول في الماضي: لا يستطيعون الضغط لأنهم حلفاء للنظام السوري الذي يقدم الكثير في سبيل الدفاع عن فلسطين ودعم المقاومة، اليوم يوجد نظام سوري هو ضد المقاومة والشيعة وكل من ينسب لهم او حتى بفرع منهم…
اناشد رجال الدين الشيعة، التحرك لاخراج النازحين؟
كما اناشد السياسيين الذين يُمضون وقتهم يتحدّثون عن ترامب، ولا يتحدثون عن الذين سينفذون مخطط ترامب!
مع أن الشهيد السيد نصرالله – رضوان الله تعالى عليه – قال أكثر من مرة إن الحزب سيدعم ويعمل ويسخر علاقاته مع بشار الاسد لإعادة النازحين.
إن كان الشيعة مليونًا ونصف، فهناك 300 ألف رجل قوي بالغ.
لكن السوريين اثنان مليون، منهم أكثر من 700 ألف رجل بالغ مدرّب على فنون الحرب والقتال.
المسيحي بدأ يُدرك، ويُغيّر مساره السياسي بميزان شديد الدقة لانه يريد ان يوازن بين طلبه بتطبيق القرارات الدولية وحصر قرار السلم والحرب بيد الدولة، وعملية نزع السلاح وبقاء الشيعة، لأنه يعلم أن انهيار لبنان يعني انهيار الوجود المسيحي الرسمي في الشرق الأوسط.
أما الشيعي، المحاصر من كل الجهات، فهو غارق في الفوضى. ورغم كل المآسي التي أصابته، والخطر الوجودي المحدق به، نجد أن بعضهم انشغل بخلافات شيعية–شيعية على مختار او بلدية، بدل أن يكونوا جميعاً يداً واحدة. وهناك من يؤجّر أو يوظّف السوريين إما طمعاً بدولارات قليلة، أو توفيراً لها، لكنه لا يعلم أن ما يفعله اليوم سيجعل كل تاريخه، وما بناه عبر الأجيال، مهدداً بالضياع، وأن هذه الأملاك والأرزاق ستصبح غداً بيد فئات أخرى، تصادرها وتتنعم بها دون أن تبذل جهداً فيها.
يا شيعي، فيق… استيقظ!
المسيحي اليوم يخوض معركة عودة النازحين من أجل لبنان، ويقاوم تمدد السوريين كي لا يصبح وجودهم واقعاً مفروضاً، او بديلاً عن فئات لبنانية مستهدفة الحكومة السورية نفسها تعلن العداء لها.
يا شيعي، على الأقل عرقل ما يُعَدّ لك… لا تكن شريكاً في مؤامرة هي بالاساس عليك، ثم تضع اللوم في النهاية على الأميركيين أو الطليان!
بقلم ناجي علي أمّهز
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.