
مرت نقابة الأطباء في لبنان بمحطات عديدة منذ تأسيسها، وكان لها عبر العقود دور محوري في تنظيم المهنة، والدفاع عن حقوق الأطباء، والمساهمة في تطوير النظام الصحي الوطني.
غير أن السنوات الأخيرة حملت معها تحديات جساماً، وشهدت النقابة خلالها تراجعاً ملحوظاً في أدائها وحضورها، بالمقارنة مع نقابات مهنية أخرى في البلاد.
ولا يمكن ردّ هذا التراجع إلى سبب واحد، بل هو نتيجة تراكمات مزمنة، أبرزها:
المحاصصة الطائفية والحزبية التي تسللت إلى العمل النقابي، مما أفقد النقابة تدريجياً استقلاليتها ودورها الجامع.
الإهمال وسوء التنظيم، الأمر الذي أدى إلى ضعف الخدمات النقابية، وخلق فجوة بين النقابة وقاعدتها من الأطباء.
سوء الإدارة وغياب الشفافية، خاصة في ما يتعلق بالملفات المالية والإدارية الحساسة.
العجز عن مواكبة التحولات في الواقع الطبي والاقتصادي والاجتماعي، لا سيما في ظل الانهيار الاقتصادي وما نجم عنه من هجرة واسعة للأطباء، وتراجع القيم المهنية، وتهديد مستقبل المهنة ككل.
أمام هذا الواقع المأزوم، يتساءل الكثير من الأطباء، ومعهم نطرح السؤال:
هل يمكن أن نشهد،
في ظل تولّي النقيب الجديد
الدكتور إلياس شلالا،
انتفاضة إيجابية تُعيد إلى النقابة شيئاً من حضورها ودورها التاريخي؟
الجواب على هذا السؤال لا يُبنى
على النوايا الطيبة وحدها،
بل على السياسات المعتمدة،
والعمل المنظّم،
والنهج الإصلاحي الحقيقي.
إننا اليوم أمام ضرورة إطلاق مرحلة جديدة من العمل النقابي، تقوم على الأسس التالية:
إعادة تنظيم البيت الداخلي للنقابة بشفافية وكفاءة، ووضع خطة استراتيجية واضحة الأهداف والمدى الزمني.
تحقيق الشفافية المالية والإدارية، وإطلاق ورشة إصلاح شاملة لا تُخفي الأخطاء بل تعالجها بجرأة وموضوعية.
فتح أبواب النقابة أمام جميع الأطباء دون تمييز أو إقصاء، والعمل بنهج تشاركي ديمقراطي يعكس إرادة الجسم الطبي بأكمله.
تفعيل الدور الوطني للنقابة بوصفها مرجعية صحية ومهنية، تدافع عن حقوق الطبيب، وتحمي المريض، وتساهم في صياغة السياسات الصحية العامة.
نحن أمام فرصة متجددة، ومسؤولية مضاعفة، تقع على عاتق النقيب والمجلس المنتخب، لكنها في الوقت ذاته مسؤولية جماعية تقع علينا نحن الأطباء.
فلا إصلاح حقيقياً يمكن أن يُنجز من دون شراكة واعية، ولا تغييراً ملموساً يمكن أن يتحقق من دون ضغط داخلي نزيه وفعّال.
فلنمنح النقابة فرصة، نعم، ولكن فلنواكبها بالمطالبة والمحاسبة البنّاءة، لأن المهنة لا تُصان بالكلام، بل بالفعل والمبادرة.
الدكتور سامي الريشوني
رئيس الجمعية الصحية اللبنانية
٢٠٢٥/٠٦/٠٣