
كل عام وأنتم بخير…
وإن كان الخير قد بات يُولد من رحم الألم، ويُصاغ من حنين الوجع، ويتنفس من ثُغور الشهداء.
نُعيد، ونحن نعرف أن العيد ليس زينةً ولا فرحًا، بل تذكُّر…
تذكُّر الكبش الذي أنقذ إسماعيل، والدم الذي غسل خطيئة العالم على الصليب،
تذكُّر الدم المسكوب من لبنان الجريح، إلى سوريا المفجوعة،
تذكُّر غزّة…
غزّة التي لم يرتدِ أطفالها ثياب العيد، بل لبسوا لهيب النار حين اشتعلت الخيام بأجسادهم وهم أحياء،
غزّة التي لم تُذبح فيها الأضاحي بل ذُبح فيها الأطفال والنساء والعجائز تحت ركام الصمت العربي،
وأنتم اليوم تهتفون: “لبيك اللهم لبيك”،
فكيف يُستجاب لندائكم وأنتم لم تلبّوا نداء غزّة؟
كيف يفتح الله لكم أبواب السماء، وأنتم أغلقتم أبواب الرحمة عن أكثر من مليون روح تُعذّب على مرأى منكم،
اعتقد بان الملائكة ستقول لا سعيكم مقبول، ولا تكبيراتكم تُرفع، ما دمتم خذلتم دماء الأنبياء المصلوبين في عيون أطفال غزّة؟
إلى كل رقعة في هذا الوطن الممتد بين جرح وآخر،
إلى الشواهد التي لم تعد تتسع لأسماء الشهداء،
إلى العيون التي لم تُغمض كي لا تغفو القضية،
إلى صوت الأمهات في الليل وهنّ يقلن: “لقد قدّمنا فداء هذا الوطن.”
نُعيد…
رغم الخراب، رغم الغُربة في بيوتٍ نسكنها دون وطن،
رغم أن الدم صار هو الماء الذي يكتب به التاريخ صفحاتنا.
لكننا نُعيد…
لأننا نؤمن أن بعد الدم نور،
وبعد الصلب قيامة،
وبعد الخيانة مجد.
هو عيد الأضحى،
وفي كل أضحية رمز،
وفي كل شهيد إسماعيل جديد،
وفي كل دمٍ طُهرٌ يشبه طهارة المسيح حين سال على الصليب.
سيأتي النور،
وسنولد من جديد،
فنحن شعب يعرف أن الألم باب الله،
وأن العيد لا يُصنع من الفراغ، بل من التضحية.
كل عام وأنتم بخير،
ولبنان بخير،
وكل عام ودمنا لا يذهب سُدًى،
وكل عام ونحن نعيد كي لا ننسى.
— ناجي علي أمّهز
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.