اخبار ومتفرقات

النظام الغذائيُّ في القرآن والسنَّة

 النظامُ الأوَّلُ: (كميَّةُ الطعامِ)
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوٓا ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)} [الأعراف]
إطلاقُ هذه الآيةِ المباركةِ يدلُّ على انتفاءِ البأسِ في الأكلِ والشربِ مِنْ كلِّ حلالٍ طيِّبٍ، وفي أيِّ وقتٍ مِنْ ليلٍ أو نهارٍ؛ فلا ضرورةَ في الامتناعِ عَنْ أيِّ طعامٍ وشرابٍ مُحَلَّلَينِ لِصِحَّةِ الجسمِ، ولكنَّ الضرورةَ في عدمِ الإسرافِ في أيٍّ منهما.

 النظامُ الثاني: (نوعُ الطعامِ ومَنَاطُ الحِمْيَةِ)
قالَ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) في الحِمْيَةِ: “لَيْسَ الحِمْيَةَ أَنْ تَدَعَ الشَّيْءَ أصْلًا لا تَأْكُلُهُ، وَلَكِنَّ الحِمْيَةَ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ الشَّيْءِ وَتُخَفِّفَ”.
وشرحُه:
ليس مناطُ (الحِمْيَةِ – Régime) في الامتناعِ كليًّا عَنْ أصنافٍ معيَّنةٍ مِنَ الطعامِ والشرابِ، وإنَّما المناطُ في عدمِ الإسرافِ في تناولِ أيِّ صنفٍ منهما.

 النظامُ الثالثُ: (توقيتُ الأكلِ وكيفيَّتُه والخَلَاءُ)
قالَ أميرُ المؤمنين ناصحًا ابنَه الإمامَ الحسنَ (عليهما السلام): “يَا بُنَيَّ! أَلَا أُعَلِّمُكَ أَرْبَعَ خِصَالٍ تَسْتَغْنِي بِهَا عَنِ الطِّبِّ؟ فَقَالَ: بَلَى يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! قَالَ: لا تَجْلِسْ على الطَّعَامِ إِلَّا وَأَنْتَ جَائِعٌ. وَلَا تَقُمْ عَنِ الطَّعَامِ إلَّا وَأَنْتَ تَشْتَهِيهِ. وَجُدِ المَضْغَ. وَإِذَا نِمْتَ فَأَعْرِضْ نَفْسَكَ على الخَلَاءِ. فَإِذَا اسْتَعْمَلْتَ هَذَا اسْتَغْنَيْتَ عَنِ الطِّبِّ”.
وشرحُه:
– لا تتناولِ الطعامَ في غيرِ جوعٍ، وأحجمْ عنه عندَ الشبعِ، ولكنْ دونَ تُخْمَتِكَ مَعَ بقاءِ رغبتِكَ فيه؛ فإنَّ في الأكلِ في غيرِ شبعٍ والأكلِ حتى التخمةِ تعريضَ الجسمِ للسُّمْنَةِ، وتسبيبَ الاضطرابِ للجهازِ الهضميِّ، فضلًا عَنِ الآثارِ النفسيَّةِ؛ كالقلقِ والتوتُّرِ والاكتئابِ.
– أَكْثِرْ مِنْ مضغِ الطعامِ قبلَ ابتلاعِه؛ فإنَّ فيه تحسينَ الهضمِ بتكسيرِ الطعامِ إلى أجزاءَ صغيرةٍ، وخَلْطِه بالقدرِ الكافي مِنَ اللُّعابِ الذي يحتوي على إنزيماتٍ هاضمةٍ، ما يؤدِّي إلى تسهيلِ عمليَّةِ امتصاصِ العناصرِ الغذائيَّةِ، وتقليلِ مشاكلِ الجهازِ الهضميِّ؛ مثلَ: الانتفاخِ والغازاتِ.
– لِيَكُنْ تَبَرُّزُكَ قبلَ النومِ حتى لا تبيتَ وأمعاؤُك مستودعٌ لسمومِ الغائطِ، وإلَّا كنتَ عُرْضَةً لآثارٍ سلبيَّةٍ عِدَّةٍ؛ منها: اضطراباتُ النومِ، وزيادةُ فُرَصِ الإصابةِ بالإمساكِ، و(السُّمِّيَّةُ الداخليَّة – autointoxication)، والتأثيرُ على صِحَّةِ القولونِ والمستقيمِ بمثلِ: (البواسيرِ والشقوقِ الشرجيَّةِ والقولونِ العصبيِّ، والغازاتِ والانتفاخِ).

النظامُ الرابعُ: (ترتيبُ تناولِ أصنافِ الطعامِ)
قالَ تعالى في سورةِ الواقعةِ:
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ (١٨) لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ (١٩) وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (٢١)}.
تُطالعُنا هذه الآياتُ الكريمةُ النظامَ الغذائيَّ لأهلِ الجنَّةِ على نحوِ الترتيبِ التالي:
– أوَّلًا: السوائلُ {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ}.
– ثانيًا: الفاكهةُ {وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ}.
– ثالثًا: الطعامُ {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ}.
وهذا ما يرشدُنا – واللّٰهُ العالمُ – إلى حُسْنِ أنْ نستهلَّ وجبتَنا بالسائلِ كالماءِ، ونُثَنِّي بالفاكهةِ، وصولًا إلى التثليثِ بالوجبةِ الرئيسيَّةِ.
وبيانُه:
إنَّ تناولَ السوائلِ ثمَّ الفاكهةِ قبلَ الوجبةِ الأساسيَّةِ، يعزِّزُ الشعورَ بالامتلاءِ، فيقلِّلُ الشهيَّةَ ليكونَ عَوْنًا على تقليلِ كَمِّيَّةِ الطعامِ المتناوَلةِ، وبالتالي مفيدًا للتحكُّمِ بالوزنِ. كما أنَّ تناولَهما يحفِّزُ الجهازَ الهضميَّ مِنْ خلالِ تحضيرِ المعدةِ للهضمِ.
وكذلك فإنَّ الفاكهةَ تُحَفِّزُ إفرازَ هرموناتِ الشبعِ التي تُقَلِّلُ الرغبةَ في تناولِ المزيدِ مِنَ الطعامِ.
ولأنَّ الفاكهةَ تحتوي على إنزيماتٍ طبيعيَّةٍ وأليافٍ، فهي تساعدُ أيضًا على تهيئةِ الجهازِ الهضميِّ؛ لذلك يفضَّلُ تناولُها قبلَ الطعامِ، بينما قد يؤدِّي تناولُها بعدَ الطعامِ إلى الانتفاخِ وعسرِ الهضمِ بسببِ تخمُّرِها في المعدةِ.

النظامُ الخامسُ: (شُرْبُ الماءِ)
{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (٣٠)} [الأنبياء]
تُدَلِّلُ هذه الآيةُ المباركةُ على أهميَّةِ شُرْبِ الماءِ؛ فإنَّه المصدرُ الأساسيُّ للحياةِ. وليشربْ أحدُنا مستجيبًا لنداءِ الجسمِ، فهو نِعْمَ النذيرُ بقدرِ ما يَعُوزُه ويتناسبُ مَعَ حاجتِه المرتبطةِ بقدرِ التعرُّقِ، ودرجةِ حرارةِ الطقسِ، والرطوبةِ، والنشاطِ البدنيِّ، والوزنِ. فإنَّ عدمَ أَخْذِ كفايتِنا مِنَ الماءِ مدعاةٌ لجفافِ الجسمِ، وارتفاعِ حرارتِه، والصداعِ، وضعفِ التركيزِ، والإمساكِ، ومشاكلِ الكلى والمثانةِ.
ولا يتوهمنَّ أحدٌ أنَّ الإسرافَ في شُرْبِ الماءِ يقلُّ خطورةً عَنِ التقتيرِ فيه؛ فإنَّ زيادةَ نسبتِه في الدمِ مدعاةٌ لإجهادِ الكلى، والضغطِ على القلبِ بزيادةِ حجمِ الدمِ، واختلالِ توازنِ (الإلكتروليتات – Electrolytes) السبعة: (الصوديوم والبوتاسيوم والكلورايد والكالسيوم والمغنيسيوم والبيكربونات والفوسفات) المؤدِّي إلى أعراضٍ خطيرةٍ مثلَ تسمُّمِ الدمِ (الإنتان – sepsis)، بل الغيبوبةِ.
وكذا قد يسبِّبُ الإسرافُ في شُرْبِ الماءِ بتورُّمِ خلايا الجسمِ، خاصَّةً خلايا الدماغِ، فضلًا عَنْ زيادةِ التبوُّلِ، وبالتالي فقدانِ المعادنِ المؤدِّي بدورِه إلى إرهاقِ الجسمِ.
➖➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين الحسيني

زر الذهاب إلى الأعلى