اخبار ومتفرقات

هل تعلم ماذا يجري من حولك؟

الجميع يعلم، ولا أحد يُنكر، أن الضاحية الجنوبية اليوم ليست كما يتخيّلها البعض.
لا سلاح ثقيل فيها، لا مصانع طائرات مسيّرة، ولا حتى ورش ميكانيكية ضخمة.
المنطقة باتت شبه مدمّرة، أبنيتها المتبقية متصدعة، وهواؤها ثقيل خانق، لا يصلح لحياةٍ آدمية.

لكن…
ما تبقّى في الضاحية أقوى من الحديد والنار:
نفوس أبيّة، قبضات مرفوعة، وهامات لا تنحني،
يعزّ عليها أن تنهزم، لأن في هزيمتها انهيار ما تبقّى من وطن الكرامة والإنسان.

لم تعد هناك مبانٍ شاهقة، ولا شركات كبرى،
لكن هناك أضرحة لأحبّة مضوا، وأبناء شهداء حملوا راية الآباء وتقدّموا نحو الموت، وابتسامتهم تسبقهم،
إيمانهم راسخ بأنهم يدافعون عن أحبّائهم، عن إخوتهم في الوطن وفي العالم العربي.

شيعة لبنان آمنوا بكلام رسول الله حتى الشهادة:
“من بات ولم يهتم بأمر المسلمين، فليس منهم.”
فقدّموا ما عليهم، وبرّروا ذممهم أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام أحياء غزة وشهدائها من الأطفال والنساء والعجائز.

البعض قال: إن بيوت الشيعة تدمّرت، ومزروعاتهم أُحرقت، لأنهم امتلكوا السلاح.
لكن لماذا نزوّر التاريخ؟
فالشيعة تدمّرت بيوتهم، وأُحرقت مزروعاتهم، وهُجّروا، ومَن بقي منهم اعتُقل وعُذّب حتى الموت،
وذلك قبل أن يكون للشيعي عصا، أو حتى سكين يدافع بها عن نفسه.

لكن الشيعة طبّقوا تعاليم يسوع الناصري:
“من ليس له، فليبع ثوبه ويشترِ سيفًا.”
لأنهم يعرفون ما ينتظرهم إن فقدوا قوتهم، في مشرق الطوائف والانقسامات والتكفير،
وفي عالم لا يؤمن إلا بالقوة والمصالح.

الطائفة الشيعية طبقت بما التزمت فيه،
ولم يَعُد في الجنوب مركزٌ، ولا حتى سلاح.
ورغم ذلك، ما زالت إسرائيل تصرخ، تهدّد، وتتوعد،
وتقصف وتقتل وتدمّر، متى شاءت وأينما شاءت:
في الجنوب، في فلسطين، في سوريا…
وربما غدًا، في دول أخرى ستدخل تلقائيًا في مدى نيرانها،
من دون أن يجرؤ أحد على أن يقول لها ببساطة: توقّفي.

إسرائيل لا تفرّق بين القتل والاستعباد،
فهي تخيّر محيطها: إمّا أن تكون عبدًا من “الجويم”،
أو تُباد.
لكن، على الأقل…
سيكتب التاريخ أننا رفضنا العبودية.
وأننا وُلدنا أحرارًا، وعشنا أحرارًا.

نعم، نعترف أن إسرائيل قتلتنا،
وأنتم تعرفون – تمامًا – أنها غدًا ستقتلكم.
لكن الفرق بيننا وبينكم: أننا واجهنا، حتى الاستشهاد.

الحقيقة المُرّة التي حصلت في هذه المنطقة،
أن إسرائيل – بسبب التطبيع والتخاذل العربي – تحوّلت من كيان إلى إمبراطورية.
لا أحد في هذا العالم يملك وحده القدرة على مواجهتها،
لأنها لا تقاتل وحدها…
بل من خلفها يقف نظام عالميّ كامل، لا يُحصي ضحاياه بالأعداد، بل بالأوزان.
إسرائيل، منذ بدء الحرب، دفنت تحت الركام والتراب ما يُقدّر بـ ثلاثة ملايين وخمسمئة ألف كيلوغرام من اللحم البشري،
في فلسطين، في سوريا، وفي لبنان.
نعم، نحن أبناء “العالم الثالث”، وربما “العاشر”،
الممزّقين إلى طوائف وهويات ضيقة.
لم نعد – في نظرهم – بشرًا، ولا حتى أرقامًا…
بل أطنان من اللحوم تُدفن بعد طحن عظامها.
أيها العربي،
أيها المسلم،
أيها القارئ هذه الكلمات…
الرجاء استيقظ من اجل انسانيتك وضميرك،
هل تعلم فعلًا ماذا يجري من حولك؟
أم أنك لا تزال تظن أن الحرب مجرّد خبر عاجل…يمرّ في شريط الأخبار؟
والسلام.

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.

زر الذهاب إلى الأعلى