
سأتحدث عن وطن… سُرقت سيادته على دفعات حتى صار بلا وجه وبلا ذاكرة، عن بلدٍ لا ترفع فيه الدولة رأسها إلا لتُخفضه من جديد، عن وطنٍ يُقصف ولا يعترض، يُهان ولا ينتفض، تُغتصب أرضه وقراره وهو يوزّع بيانات الشجب كأنها جوائز ترضية. لبنان، يا مسرح الانهيارات ويا دولة بلا قرار، بلا شجاعة، بلا كرامة. كم مرةً اعتدوا عليك، ولم تنبس السلطة ببنت موقف؟ كم مرةً انتُهك مجدك على مرأى ممن يسمّون أنفسهم “رجال دولة”؟ أي رجال هؤلاء؟ وأي دولة؟ دولة تُدار من الخارج وتُوزّع من الداخل على زعماء الطوائف كأنها حصص في مأدبة موت! سيادتك يا وطني أصبحت نكتة باهتة، تُستباح حدودك، يُغتال أمنك، وتُخترق سماؤك، بينما السلطة تشرب قهوتها على طاولة المفاوضات المعلّبة. أي مهزلةٍ هذه؟ من سمح للعالم أن يتعامل مع لبنان كأنه حقل تجارب؟ من باع هيبة الوطن في مزاد السياسة الإقليمية؟ ومن قال أن السيادة تُجزأ وتُفاوض؟ لبنان ليس فندقًا، ولا أرضًا مؤجرة، ولا ساحةً لتصفية الحسابات. لبنان الذي كتب الحرف يُمنع اليوم من كتابة موقف، لبنان الذي صدّر الحضارة صار يستورد الصمت. أي خزي هذا؟ العدو في السماء والسلطة في نومها العميق، العدو في الأرض والسلطة في وحول صراعاتها، العدو على الهواء والهواء خانقٌ برائحة الخيانة. وسائل الإعلام في وادٍ آخر، تلمّع الوجوه القبيحة، تزيّن الجريمة بالكلام، وتحذف كلمة “احتلال” من قاموس نشراتها. أي وطن هذا يُهان فلا ينتفض؟ أي كرامة تبقّت لمن لا يجرؤ حتى على الرفض؟ سأقولها الآن، وبكل حبٍّ لهذا الوطن الذي يُذبح كل يوم: إما أن نكون شعبًا يرفض الاستباحة، أو لا نكون إلا عبيدًا في حظيرة السياسة. وإذا كان حبّ الوطن تهمة، فلتكن تهمتي، وإذا كان الصراخ من أجل الكرامة “تطرّفًا”، فليكن اسمي في قوائم المغضوب عليهم. لكن لا تطلبوا مني الصمت، فأنا أنتمي لوطن لا لفندق، لأرض لا لمزرعة، لكرامة لا لخنوع.
سنا فنيش – رئيسة تحرير سنا TV