اخبار ومتفرقات

زيارة لودريان إلى لبنان: ناجي علي أمّهز سبق الجميع بتشخيص دقّة المهمة تحت عنوان “الفرصة الأخيرة”

فيما كانت وسائل الإعلام المحلية تتداول أنباء متضاربة حول زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان، انطلقت التكهنات منسوبة إلى “مصادر مطلعة” و”جهات فرنسية”، وسط سيل من التحليلات عن أهداف الزيارة وطبيعة اللقاءات، لتتبيّن لاحقًا هشاشة معظم هذه الروايات، إذ تبيّن أن 99% مما نُشر لم يكن قريبًا حتى من الحقيقة.
التحوّل الجوهري في السردية الإعلامية بدأ يوم الأحد، وتحديدًا عند الساعة الواحدة ظهرًا، مع نشر الكاتب السياسي ناجي علي أمّهز تحليله عن خلفيات زيارة لودريان. وما أن نشر أمّهز نصه الذي حمل عنوان “الفرصة الأخيرة”، حتى بدأت وسائل الإعلام بتغيير خطابها جذريًا، واستعار العديد من الصحافيين والمحللين عنوان المقال نفسه وتحليله لتوصيف مهمة لودريان.
ووصل لودريان إلى بيروت صباح الثلاثاء، ومع بدء لقاءاته، تبيّن أن ما أشار إليه أمّهز لم يكن مجرد تحليل، بل قراءة دقيقة للمشهد الدبلوماسي، جاءت مطابقة لما بدأ يتسرّب رسميًا من دوائر القرار.

في تحليله، كشف أمّهز أن زيارة لودريان تمثّل “الفرصة الأخيرة” لتدارك ما وصفه بـ”كارثة كبرى” قد تصيب الطائفة الشيعية في لبنان، على وقع “أكبر موجة عقوبات أميركية غير مسبوقة” تستعد واشنطن لفرضها. وأوضح أن باريس تسابق الزمن لقطع الطريق أمام هذه العقوبات، لكنها تدرك أن هامش حركتها بات محدودًا جدًا، وأن نفوذها في لبنان مهدّد بالتلاشي، ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات بدعم من القوى الشيعية والموارنة.
“ومن تابع التصريحات الرسمية الأخيرة، يلاحظ تأكيدًا على أن “كافة الإصلاحات ستُنفذ خلال شهر واحد”، وهو ما يشير بوضوح إلى أن لودريان أبلغ المسؤولين اللبنانيين بأن هذه هي الفرصة الأخيرة، وأن أمامهم مهلة لا تتجاوز شهرًا واحدًا – وهي أقصر فترة ممكنة لمعالجة ملفات وإصلاحات كان يُفترض إنجازها خلال سنوات.”

وأشار أمّهز إلى أن لقاء لودريان المرتقب مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، والذي يجري اليوم على مائدة غداء في كليمنصو، يُعوّل عليه كثيرًا. فباريس ترى في جنبلاط شخصية محورية قادرة على لعب دور توازني، خاصة بعد أن شكّل سابقة بإحراج المبعوثة الأميركية السابقة مورغان أورتاغوس، عقب تغريدة اعتُبرت خطأً استراتيجيًا، ما أدى بحسب أمّهز إلى “معاقبتها وربما ما هو أكثر”.
“واليوم تتوجه الانظار الى مائدة الغداء التي تجمع لودريان بجنبلاط كما اشار امهز ورمزيتها التي ستكون حجر الزاوية”

وفي سياق آخر، يؤكّد الكاتب السياسي ناجي أمّهز أن لا حرب وشيكة على لبنان، أقلّه خلال صيف هذا العام، مرجّحًا ذلك لأسباب تتعلّق بالأوضاع في غزة، وبالاضطرابات الداخلية المتفاقمة في الولايات المتحدة، والتي أفرزت فوضى باتت تمثّل أولوية مطلقة لإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حتى على حساب الملفات المرتبطة بالشرق الأوسط.
ويحذّر أمّهز مما وصفه بأنه السيناريو الأخطر، وهو أن تكون الأحداث الجارية في أميركا اليوم، هي نفسها التي كان من المقرر أن تنفجر منذ عام 2016، حين تحدّث – قبل انتخاب ترامب بثلاثة أشهر – عن احتمال وصوله إلى البيت الأبيض، وتوقّع أن تدخل الولايات المتحدة في حالة انقسام داخلي لأسباب تتعلّق بتطوّر النظام العالمي الجديد.
ويرى أمّهز أن ترامب قد يكون بالفعل آخر رئيس فعلي لأميركا، مشيرًا إلى أن ترامب لا يزال حتى اليوم يصرّ على أن جو بايدن كان مجرد “واجهة” أو “روبوت سياسي”، وكأنه يوجّه رسالة مفادها أن من تمّ انتخابه ليس الرئيس الشرعي لأميركا، ولذلك لم يشارك في حفل تنصيبه، ولا حتى سلّمه مفاتيح البيت الأبيض، خلافًا لما جرت عليه التقاليد الأميركية منذ أكثر من 200 عام.

ويُكرّر الكاتب ناجي أمّهز نصيحته إلى الأقليات في العالم العربي، أينما وُجدت، بأن تدرك جيدًا أن دورها السياسي والاقتصادي لم يعد يُذكر، إلا إذا أصبحت ضرورية لدوائر الحكم، أي أن تُعاد صياغة حضورها بوصفها حاجة، لا بوصفها ترفًا.
ويُشدّد أمّهز على أن زمن تفوّق او تميز الأقليات قد انتهى، وربما لعقود طويلة، فالعالم الجديد في الشرق لا يكترث لا للمسيحيين، ولا للشيعة، ولا للعلويين، ولا حتى للدروز. على الأقليات أن تتكيّف مع هذا المتغيّر العنيف، لأن ما تملكه اليوم لا يتعدّى بعض العلاقات الشخصية التي راكمتها قيادات تقليدية مع بعض دوائر القرار الدولي، وهي علاقات بدأت تذبل، لأن هذا الجيل من القادة قد شاخ، وللأسف لم يُنتج خلفًا نخبويًا، بسبب انقطاع الظروف الملائمة لذلك منذ مطلع التسعينيات.
ويختم أمّهز بالدعوة إلى إعادة ترتيب “حلف الأقليات”، لا بهدف السيطرة أو التمدّد، بل لتشكيل مظلّة تحميهم من العواصف التي قلبت العالم رأسًا على عقب، والتي قد لا تُبقي ولا تذر إن لم يتم تداركها بعقلانية وجبهة داخلية صلبة.

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى