
دونالد ترامب محاصر بين صقور الإعلام المتعطشين للحرب، وقاعدته الشعبية التي تخشى المواجهة مع إيران. التوتر يتصاعد، والقرارات المصيرية على الأبواب… فمن يملك الكلمة الأخيرة؟
وسط هدير الطائرات وتعليقات المحللين المتلهفين للحرب على الشاشات الأميركية، يقف ترامب أمام مفترق طرق غير مسبوق لرئيس أميركي: حرب محتملة مع إيران، ضغوط من الصقور في حزبه، وانقسام حتى بين أقرب حلفائه.
نعم، الحديث عن قاعدة “ماغا” الشهيرة (اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا)، تلك التي تغنّت بشعار “أميركا أولاً” وتبنت خطاب العداء للعالم، لكنها اليوم ترفع شعار “لا للحرب مع إيران”، أو على الأقل، “ليس الآن، وليس من أجل تل أبيب”.
في المقابل، يتصدر المشهد النجم السابق في قناة “فوكس نيوز”، تاكر كارلسون، إلى جانب عرّاب الشعبوية الأميركية ستيف بانون. كلاهما أطلق تحذيرات ضد أي تورط أميركي في الصراع الإسرائيلي-الإيراني.
كارلسون، بصراحته المعهودة، وصف محطات مثل “فوكس” بأنها “شبكات دعاية”، وهاجم زميله مارك ليفين (منظّر اليمين الأميركي المتشدد) واصفًا إياه بـ”الزوجة السابقة التي تصرخ طلبًا للنفقة”، في إشارة إلى المبالغة والانفعال المفرط.
أما ستيف بانون، فلم يبتعد عن هذا الخط، معلنًا: “علينا وقف انخراط أميركا في هذه الحرب”.
هذا التحالف غير المتوقع داخل معسكر “ماغا” عزّز من صوت الانعزاليين في وجه دعاة الحرب. وبينما كان شون هانيتي ومارك ليفين يحتفلان بضربات “إسرائيل”، ردّ عليهم كارلسون ساخرًا: “الانقسام الحقيقي ليس بين من يدعم إسرائيل أو إيران، بل بين دعاة العنف وصانعي السلام”.
ترامب في متاهة الضغوط
يحاول ترامب التوازن على حبل مشدود: تارة يلمّح إلى تدخل أميركي محتمل، وتارة يتهرب من الأسئلة قائلاً: “لا أريد التحدث عن ذلك”. وعلى وسائل التواصل، يؤكد: “إيران لا يمكنها امتلاك سلاح نووي أبدًا”، لكنه لم يتخذ قرار الحرب بعد.
البيت الجمهوري منقسم بوضوح: الصقور يطالبون بضرب “فوردو”، فيما يذكره انعزاليو “ماغا” بوعده الانتخابي بعدم خوض حروب جديدة. حتى نائب الرئيس جاي دي فانس وآخرون حذّروا من تكرار مغامرات العراق وأفغانستان.
من نصر 67 إلى كوابيس العراق
المشهد غارق في الضباب. الإعلام يضخ تحليلات متضاربة، الجنرالات يجهّزون حاملات الطائرات، ولا أحد يعرف ما الذي سيحصل غدًا. بعضهم يراهن على نصر سريع، وآخرون يستذكرون مستنقع العراق.
حتى لو قررت أميركا التدخل، فالعملية ليست بهذه السهولة. مفاعل “فوردو” محصّن، ولا يمكن قصفه إلا بقنابل خارقة تملكها أميركا فقط. يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك: “حتى الأميركيون لا يمكنهم تأخير البرنامج النووي الإيراني لأكثر من بضعة أشهر”. أي أن كل هذه الضغوط قد تفضي فقط إلى إطالة أمد الحرب وربما تسريع كارثة إقليمية.
من يصنع الحقيقة؟
مشهد التحريض الإعلامي بات أكثر عبثية من أي وقت مضى. “فوكس نيوز” تطالب برد ساحق وتضخ الدعاية، بينما يصفهم كارلسون بأنهم “صنّاع بروباغندا يملؤون الشاشات بالتوجيهات العسكرية حتى يقتنع بها المشاهد البسيط”. أما بانون فيكرر: “اذهبوا وحدكم… إذا أردتم الحرب، نفّذوها بأنفسكم”.
الانقسام انتقل من الشاشات إلى غرف القرار. الجنرالات وصقور الجمهوريين مثل مايكل كوريلا وتوم كوتون يضغطون، فيما “ماغا” ترفع شعارات نارية لكنها ترفض التضحية بجندي واحد خارج الحدود.
الأسوأ لم يأتِ بعد
يرفع ترامب ورقة “الصفقة”: يمكننا إنجاز اتفاقية تنهي الحرب. كتب ذلك على السوشال ميديا، وكأن أزمة قد تتدحرج إلى مواجهة نووية يمكن حلها بصفقة عقارية!
حتى صقور صحيفة “وول ستريت جورنال” نبهوه: “الحياد الأميركي يعني حرباً أطول”، أي أن جميع الخيارات سيئة… والأسوأ لم يأتِ بعد.
في ظل هذا الضباب، لم يعد أحد يفرّق بين الدعاية والحقيقة. فهل سيدخل ترامب حربًا لم يردها؟ هل ستنتصر قاعدة “ماغا” على جنرالات المجمع الصناعي العسكري؟ أم أن الجميع مجرد أدوار ثانوية في مشهد لا أحد يعرف من يخرجه؟
العالم يقف على حافة هاوية. “إسرائيل” تريد نصرًا سريعًا، إيران تراهن على الصمود، وأميركا تتأرجح بين انعزاليتها وإغراء دور الشرطي العالمي. أما الشعوب، فلا تملك سوى المتابعة عبر الشاشات وسط الانفجار الإعلامي، ودوامة التحليلات والشائعات.
الخلاصة: لا أحد يمسك بزمام اللعبة. الحرب تخلق ضبابها، وتفرض إيقاعها. وحدها المفاجآت قادرة على إعادة خلط الأوراق. واليقين الوحيد: كل شيء قابل للتغيير في لحظة.
رغم قسوة الواقع، ربما يثبت الإيرانيون مرة أخرى أن الصبر والقدرة على التحمل هما العاملان الحاسمان في هذا العالم المضطرب.
المصدر : الأخبار