
بقلم: لبنى عويضة…
خاص جريدة الرقيب الالكترونية
على رماله الذهبية، كان من المفترض أن تتوافد جموع السائحين، وتضاء الليالي بالمهرجانات التي تعيد الحياة للفنادق وتنعش شرايين الاقتصاد المتهالك. لكن لبنان، الذي لطالما حاول ترميم صورته بورقة السياحة، وجد نفسه اليوم أمام مرآة الحقيقة الصادمة: بلد هش بلا خطة أمان، يروج لموسم سياحي فيما الطائرات الحربية تحلق فوقه والصواريخ تمر بمحاذاته.
أجواء مغلقة وهواجس متصاعدة
يعيش المجال الجوي اللبناني حالة من الارتباك وعدم الاستقرار نتيجة التصعيد الحاصل بين إيران وإسرائيل. هذا التوتر الأمني أدى إلى شلل جزئي في مطار بيروت، مما تسبب في تعليق وإلغاء العديد من الرحلات الدولية، وأصاب قطاع الطيران المدني بالشلل. هذا الواقع خلّف حالة من الخوف والتردد بين السياح المحتملين، خاصة مع غياب أي بروتوكولات طوارئ أو ضمانات رسمية تحمي المسافرين.
هشاشة الأمن الداخلي وتأثيرها على الثقة
مع تصاعد الصراع الإقليمي، تتزايد المخاوف من أن يتحول لبنان إلى ساحة تصعيد أوسع، مما يغذي جوًا من عدم اليقين والخوف داخل المجتمع وبين المستثمرين الذين باتوا يترددون في ضخ رؤوس أموالهم في بلد يعاني أصلاً من أزمات بنيوية عميقة ومتراكمة.
الفنادق شبه خاوية… والضيافة بلا ضيوف
القطاع الفندقي، الذي كان يمني النفس بانتعاش صيفي، بات يئن تحت وطأة الإلغاءات المتتالية، حيث تراجعت معدلات الإشغال بشكل دراماتيكي لتلامس حدود الانعدام في بعض المناطق، وتراجع بحدة في العاصمة والمناطق السياحية الجبلية. حتى المغتربون، الذين لطالما شكلوا رئة الموسم التقليدية، بدوا أكثر ترددًا بعدما تساوت احتمالات البحر والملاجئ في ظل المخاوف الأمنية.
انهيار الاقتصاد السياحي: رافعة محطمة
السياحة، التي كانت قبل الأزمة مصدرًا رئيسًا للعملة الصعبة ورافعة أساسية للاقتصاد، تحولت اليوم إلى قطاع محطم بفعل غياب بيئة آمنة وحاضنة. لا حركة طيران مستقرة، ولا قدرة على استقطاب الزوار، ولا أدوات لاستيعاب الصدمة الاقتصادية. والأخطر من ذلك غياب الثقة محليًا ودوليًا في إمكانية استمرار الموسم دون انقطاعات أمنية.
غياب خطط طوارئ واضحة ومعاناة مستمرة
الدولة حتى اليوم لم تصدر أي خطة طوارئ واضحة لحماية السياحة أو لضمان استمرارية الخدمات الحيوية، ما يزيد من عمق الأزمة. غياب التنسيق بين الجهات الأمنية والاقتصادية يعكس ضعف القدرة على إدارة الأزمة والتخفيف من آثارها، ويجعل القطاع أكثر عرضة للتدهور.
من موسم استنهاض إلى موسم استنزاف
ما كان من المفترض أن يكون رافعة للخروج من النفق تحوّل إلى ورقة محروقة في دفتر الانهيار المتراكم. صيف 2025 لا ينعش الاقتصاد بل يفضح عجزه، لا يجذب الزوار بل يعيدهم من حيث أتوا، ولا يرسم صورة إصلاح بل يشرّع هشاشة البلاد على الملأ. الأزمة باتت وجودية: هل يستطيع بلد بلا إدارة فعلية أن يقدم نفسه كوجهة سياحية في قلب منطقة مشتعلة؟
السياحة في لبنان: هل من بصيص أمل؟
في ظل هذه الأجواء المعتمة، تتطلب إعادة الثقة والانتعاش استراتيجيات متكاملة تُبنى على تأمين الاستقرار الأمني، إعادة تفعيل المجال الجوي، وإطلاق حملات ترويجية مدعومة سياسيًا وإعلاميًا، خاصة مع دول الخليج التي تشكل السوق الرئيسية للسياحة اللبنانية.
بلد بلا مناعة سياحية
بين خطوط التماس والعجز الرسمي وتصاعد السيناريوهات المفتوحة، يسير لبنان نحو صيف بلا معالم، موسم بلا ركائز، وسياحة بلا مضمون، ودولة بلا مقود. الرهان على المعجزة لم يعد مقنعًا، فالأعجوبة الوحيدة المطلوبة اليوم أن يتحول هذا النظام من كائن يروج للفراغ إلى كيان يصنع استراتيجية واضحة، قبل أن يتحول الصيف إلى فصل إضافي في كتاب الانهيار.