
رغم تعدد التسميات وتنوّع القوى المتصارعة، تبقى النتيجة واحدة: شعب مرهق، وأرض منهكة، وذاكرة مثقلة برائحة البارود والملاجئ. منذ نهاية الستينيات وحتى اليوم، عاش لبنان في دوامة متواصلة من الحروب، من الداخل والخارج، تنوّعت في أشكالها، لكنها توحّدت في استنزافها لحياة الناس:
منذ عام 1964، شهد لبنان سلسلة من الحروب والصراعات المسلحة، التي كان لها طابع داخلي أحيانًا، وإقليمي أو دولي في أحيان أخرى. إليك أبرز هذه الحروب والصراعات بحسب تسلسلها الزمني:
1. العمليات الفدائية والاشتباكات على الحدود (منذ أواخر الستينيات – تصاعد في 1968–1969)
• السياق: بدأت المقاومة الفلسطينية بتنفيذ عمليات من جنوب لبنان ضد إسرائيل بعد نكسة 1967، مما أدى إلى ردود فعل إسرائيلية عنيفة.
• اتفاق القاهرة 1969: سمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بالعمل المسلح انطلاقًا من الجنوب اللبناني، مما أوجد دولة ضمن الدولة.
2. الحرب الأهلية اللبنانية (1975–1990)
• الأسباب: انقسامات طائفية، فشل النظام السياسي الطائفي، النزاع بين المسيحيين والفلسطينيين، والتدخلات الخارجية.
• الأطراف: ميليشيات لبنانية طائفية، منظمة التحرير الفلسطينية، الجيش السوري، إسرائيل، إيران، الولايات المتحدة، وغيرهم.
• النتائج: أكثر من 300,000 قتيل، انهيار الدولة، تهجير داخلي وخارجي، احتلالات خارجية.
3. الاجتياح الإسرائيلي للبنان (1982)
• الهدف المعلن: القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية.
• النتائج: دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت، مجازر صبرا وشاتيلا، خروج عرفات ومنظمة التحرير من لبنان إلى تونس.
• ظهور حزب الله: كرد فعل على الاحتلال الإسرائيلي للجنوب.
4. حرب المخيمات (1985–1988)
• فصائل مدعومة من سوريا والفصائل الفلسطينية في مخيمات بيروت وصيدا.
• الضحايا: آلاف القتلى والجرحى، دمار واسع في المخيمات.
5. المواجهات بين حزب الله وإسرائيل (1985–2000)
• المسرح: جنوب لبنان.
• الهدف: مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1982 واستمر حتى 2000.
• النتيجة: انسحاب إسرائيل من معظم الجنوب اللبناني عام 2000 دون اتفاق سلام.
6. حرب تموز / حرب لبنان الثانية (2006)
• الطرفان: حزب الله وإسرائيل.
• السبب المعلن، أسر حزب الله لجنديين إسرائيليين.
• النتائج: دمار واسع في لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي، مئات القتلى المدنيين، نزوح جماعي، ومكاسب سياسية لحزب الله داخليًا وإقليميًا رغم الدمار.
7. اشتباكات داخلية متفرقة (2007–2008)
أ. معركة نهر البارد (2007)
• الطرفان: الجيش اللبناني وتنظيم “فتح الإسلام”.
• النتائج: تدمير مخيم نهر البارد، مئات القتلى.
ب. أحداث 7 أيار (2008)
• السياق: خلاف حول شبكة اتصالات حزب الله.
• الأحداث: اجتياح حزب الله لبيروت الغربية والجبل.
• النتائج: توقيع اتفاق الدوحة وإنهاء الفراغ الرئاسي.
8. تداعيات الحرب السورية (منذ 2011)
• أبرز الأحداث:
• مشاركة حزب الله في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري.
• تفجيرات إرهابية في الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى.
• اشتباكات مع جماعات متطرفة مثل جبهة النصرة وداعش على الحدود الشرقية.
9. اشتباكات طرابلس وبعلبك (2012–2015)
• بين: مجموعات مسلحة سنية وعلوية (طرابلس)، وعشائر ومسلحين (بعلبك-الهرمل).
• السياق: تأثيرات الحرب السورية والانقسام الداخلي اللبناني.
10. المواجهة مع داعش والنصرة (2014–2017)
• المكان: جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك.
• الطرفان: الجيش اللبناني وحزب الله ضد داعش وجبهة النصرة.
• النتيجة: القضاء على الجماعات المتطرفة في هذه المنطقة.
11. التوترات مع إسرائيل (منذ 2018 وحتى اليوم)
• طبيعة الصراع: ضربات متبادلة محدودة، تهديدات، استهداف قوافل ومواقع تابعة لحزب الله في سوريا ولبنان.
• تصاعد حاد في 2023–2024: مع تصاعد الحرب في غزة، انتقلت المواجهة إلى الجنوب اللبناني بضراوة غير مسبوقة منذ 2006.
12. المواجهة الحالية (منذ أكتوبر 2023 – حتى اليوم 2025)
• الطرفان: حزب الله وإسرائيل.
• السبب: التضامن مع غزة وردًا على الهجمات الإسرائيلية.
• الوضع: آلاف المهجرين، مئات الشهداء، تدمير واسع في الجنوب، واحتمالات توسع الحرب.
•
• تأمل شخصي من رحم الحرب
منذ يوم ولدت، لم أنعم أنا وعائلتي، وكل من بقي في لبنان، بشعور الأمان كانت الحروب تتوالى كأنها جزء من تكويننا الجغرافي والنفسي، وكان الإحساس بأن “اليوم قد يكون النهاية” شعورًا بنى كل حياتي. ومع كل خفقة قلب، كنت أشعر بمسؤولية غريبة تجاه من حولي، وكأن حماية العالم تبدأ من حجرتي الصغيرة.
كبرت في بيت جميل في منطقة غابة الصنوبر، في حارة حريك، قرب المدرسة الحربية. كان المكان مغمورًا برائحة الياسمين، يزرع فيّ الطمأنينة رغم الجنون الذي يحيط بنا من كل الجهات. شهدت حرب المخيمات، وعشت الحرب الأهلية، التي قيل لنا إنها طائفية، لكنها في حقيقتها كانت دولية وإقليمية، تتصارع فيها المصالح الكبرى على حسابنا.
دُمرت القرى، واقتُلعت العائلات، وهاجر الناس من الضيع إلى بيروت، ومن بيروت إلى المنافي. وككل اللبنانيين البسطاء، لم تكن لنا ناقة ولا جمل، بل كنا دائمًا الوقود: دمنا، أرضنا، أرزاقنا.
واليوم، في ظل حرب إقليمية عالمية جديدة تُشن علينا، يعود الشعور ذاته: لعلّنا سنتبخر، مرة أخرى، بين نار تهديدات إسرائيلية، وردود مقاومة محلية وإقليمية. لكنني اليوم أقول: لا بد من حسم. لا بد من نهاية لهذا المسلسل الدامي. كي لا يرث أولادنا نفس الرعب الذي عشنا به، كي لا يبنوا طفولتهم على أصوات الغارات والأخبار المرعبة.
إيماني بالله هو ما يبقيني واقفة ككل اللبنانيين واللبنانيات. أعرف يقينًا أنه “ليس من حالٍ يدوم”…
لكن أدرك أيضًا أن الصمت لم يعد خيارًا، وأن الأمن والأمان لن يُمنح، بل يُصنع بإرادة لا تنكسر.
خلود وتار قاسم
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.