
اليوم، وبعيدًا عن دوّامة الأخبار التي تحاصرنا من كل صوب، والتي تنذر بأن طبول الحرب تُقرع من جديد في منطقتنا، وكأننا منذ خمسين عامًا كنا نعزف بيانو…
قررت أن أكتب عن معركة أخرى، أخطر وأقسى، نخوضها نحن داخل بيوتنا—بأيدينا، بصمتنا، وبسذاجتنا.
معركة ندمّر فيها صحة أطفالنا ونخنق براءتهم ونختزل طفولتهم في شاشة وهزّة إصبع.
في عصر السرعة، لم نعد نُطعم أبناءنا من أيدينا، بل من أيدي الشركات…
وجبات سريعة، معلبة، مغلفة بالألوان والوعود الكاذبة.
اختصرنا الغذاء في “توصيلة” والحنان في “تابلت”، وصرنا نكافئ أولادنا بسموم ناعمة على شكل بطاطس مقلية ومشروبات سكرية، لا لشيء، فقط لأننا “تعبنا”.
تعبنا من الحياة؟ أم تعبنا من مسؤولية التربية؟
صرنا نهدئ بكاء الطفل بهاتف، ونكافئ سلوكه الجيد بساعة على “يوتيوب كيدز”، ونعزله عن الحركة، عن التفاعل، عن اللعب، وعن الطبيعة.
نسينا أن الطفولة ليست وقتًا يُقتل، بل حياة تُبنى.
واليوم، بدأت أعراض الانهيار تظهر بوضوح:
أطفال يعانون من السمنة في عمر الخمس سنوات.
قلة تركيز، توتر، تأخر لغوي، ومشاكل سلوكية ونفسية تتراكم.
أجساد ضعيفة، أذهان مشتتة، وعلاقات إنسانية شبه ميتة.
ولكن المأساة الحقيقية؟ أننا لا نرى. لا نريد أن نرى.
نظن أن طفولتهم “طبيعية” لأن الكل يفعل مثلنا.
لكن الحقيقة أن ما نفعله اليوم بأطفالنا سيظهر غدًا في صورة جيل منهك، معطوب، ضائع… لا يعرف من هو، ولا أين يقف.
أيها الآباء، أيتها الأمهات…
أوقفوا هذا الخراب الصامت.
استفيقوا من سبات العادة.
عودوا إلى مطبخكم، إلى حضنكم، إلى صوتكم وقصصكم ونظراتكم.
لا تسلّموا أبناءكم للشاشات والشركات، فأنتم السور الأخير الذي يحميهم من الانهيار.
خلود وتار قاسم
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.