
نكتب عن الإمام الحسين، لأن الكتابة عنه ليست سردًا لتاريخ، بل استحضارٌ لنورٍ لا يخفت، وصوتٍ لا يسكت، وجرحٍ لا يلتئم إلا بالعدالة.
نكتب عن الإمام الحسين، لأن كل مرة نخطّ فيها اسمه، نشعر أننا نُطهّر أقلامنا من شوائب الخوف، ونغسل أرواحنا من رماد الصمت. فالحسين ليس رجلًا مضى… بل حضورٌ دائم في ضمير الزمن. هو الحقيقة التي لا تموت، حتى لو مرّت القرون.
الإمام الحسين عليه السلام، لم يكن ثائرًا عاديًا، بل نهجًا قائمًا بحد ذاته بوجه الظلم والطغيان. خرج لا طلبًا للملك، ولا حبًا بالسلطة، بل لأن الحق غُيّب، والباطل استُعلن، والسكوت صار مشاركة في الجريمة. وحين قال: “إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا، إنما خرجت لطلب الإصلاح”، كتب بذلك أول بندٍ في دستور الكرامة.
نكتب عنه، لأن في زمننا أيضًا كربلاء… يُذبح فيها العدل كل يوم على مذبح المصالح. نكتب عنه، لأن الحسين يذكّرنا أن الموقف أغلى من العمر.
نكتب عنه حين تضيق علينا الحياة، فنبحث عن مثالٍ يُعيدنا إلى أنفسنا… ونجد في كربلاء المرآة. مرآة تعكس ضعفنا، وتدعونا أن ننهض، أن نثور على خوفنا، على خنوعنا، على تبريراتنا المتكررة.
نكتب عن الحسين كي لا ننسى. كي لا تنام ضمائرنا في ظل العناوين البراقة. كي نبقى نميّز بين الصمت النبيل، والصمت المتواطئ. بين دمعة العاطفة، ودمعة الوعي.
نكتب عنه لأن الكتابة مقاومة. لأن في زمن التزييف، يصبح ذكر الحسين صرخة صدق. لأننا حين نكتب عن الحسين، نعيد تعريف البطولة، ونعلّم الأجيال أن الكرامة لا تُشترى، وأن السكوت على الظلم… ظلمٌ مضاعف.
نكتب عنه، لأننا نخاف أن نموت صامتين. نخاف أن تشيخ مبادئنا ونحن نساير العالم. نخاف أن يخبو ذلك النور الذي أضاءته دماء الحسين فينا، فنُصبح نسخة باهتة من أنفسنا.
نكتب عن الحسين، لأن في الكتابة عنه شفاءً من اللامبالاة، وتطهيرًا من البلادة، وولادةً جديدة للإنسان فينا.
وفي كل كلمة نكتبها عنه، نُجدّد وعدنا بأن نظل على خطاه… أحرارًا، صادقين، أوفياء للحق، مهما كلفنا الثمن.