
ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما كان يدعو به رسول الله (ص) مع كل بداية لسنة هجريّة جديدة عندما قال: “اللهم أنت الاله القديم وهذه سنة جديدة، فأسألك فيها العصمة من الشّيطان والقوّة على هذه النّفس الأمّارة بالسّوء، والاشتغال بما يقربني إليك يا كريم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون، واغفر لنا ما لا يعلمون، ولا تؤاخذنا بما يقولون، حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب” نسأل الله أن يوفّقنا لتكون سنة جديدة مفعمة بالخير والعمل الصّالح وأن تكون أفضل من ماضيها… لنكون بذلك أكثر وعيًا ومسؤوليةً وقدرةً على مواجهة التّحديات.
والبداية من الإنجاز الكبير الّذي حقّقته الجمهوريّة الإسلامية في إيران في ردّ العدوان الصّهيوني عليها والّذي أكّدت فيه مدى قدراتها الّتي فاجأت العدو ووصلت إلى عمق كيانه ما لم يعهده منذ نشوئه، ما دعاه إلى إيقاف عدوانه ومنعه من تحقيق أهدافه الّتي كان يسعى إليها والّتي كنّا أشرنا سابقًا إلى أنّها تجاوزت حدود ما أعلن عنه من منع إيران من امتلاك القدرة النوويّة إلى المسّ بقدراتها العسكريّة والأمنيّة والاقتصاديّة والعلميّة وتماسك شعبها ووحدته وصولًا إلى تقويض أركانها. لقد حصل هذا الانجاز رغم الاغتيالات الّتي قام بها العدو والاستهداف للمواقع العسكريّة والاقتصاديّة ورغم القدرات الّتي يمتلكها هذا العدو والدّعم المباشر وغير المباشر الّذي حظي به من الولايات المتّحدة الأميركيّة والدّول الغربيّة ورغم الحصار الّذي عانت منه طويلًا، لقد استطاعت الجمهوريّة الاسلاميّة وبقدراتها الذّاتيّة وامكاناتها الّتي طوّرتها وبدون أن تحظى بأي دعم خارجي أن تقدّم أنموذجًا يحتذى به في قدرتها على الوقوف في وجه أطماع هذا الكيان ومخطّطاته.لقد مثّلت إيران بهذا الانجاز عنصر ردع لهذا العدو ما سيجعله يعيد النّظر بكل مخطّطاته التّوسعيّة في المنطقة… كما سيعطي هذا الإنجاز الأمل لكلّ الّذين عانوا من ويلات العدو وجرائمه بقدرتهم على استعادة قرارهم وحريّتهم ودحر العدو عن أرضهم ومقدّراتهم…إنّنا أمام ذلك نهنّئ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران على قدرتها في ردّ العدوان بفعل وعي قيادتها الحكيمة والصّمود الّذي أظهرته في مواجهة هذا العدوان ونحن على ثقة بأنّها قادرة على تجاوز كل الجراح والآلام الّتي عصفت بها وستبقى أمينة على المبادئ والقيم الّتي حملتها ولأجلها قدّمت التّضحيات في الوقوف مع المظلومين والمستضعفين وعلى سياستها الّتي تقوم على عدم الاعتداء على أحد ولكنّها لن تقبل أن يعتدي عليها أحد… ونحن في هذه المناسبة نحيي الموقف الموحّد الّذي اتخذته الدول العربيّة والاسلاميّة في إدانة هذا العدوان الظّالم ورفضها له ولكنّنا نريد أن يتجاوز موقفها حدود الإدانة إلى عمل مشترك لمواجهة التّحدي الّذي سيبقى ماثلًا من قبل العدو الصّهيوني الّذي سعى ولا يزال يسعى ليكون هو الأقوى في هذه المنطقة والمهيمن عليها، ويقف أمام كل من يريد أن يسعى لبناء قواه الذّاتيّة وتطوير قدراته وأن يكون له قراره الحرّ.
إنّنا نؤكّد أن العالم العربي والإسلامي لديه كلّ القدرات والإمكانات لمواجهة تحدّيات هذا العدو أو غيره ان عرف مكامن قوته وتوحّدت جهوده وخرج من الانقسامات الّتي تعصف به والّتي تشتّت قدراته وتذهب بريحه، والّتي يعمل عليها من خلال إثارة الغرائز الطّائفيّة أو المذهبيّة أو القوميّة أو باستحضار سلبيات التّاريخ أو تخويفها بعضها من بعض.
وبالانتقال إلى غزّة نرى أنّ العدو الصّهيوني يستمرّ في ارتكاب أبشع المجازر فيها وعمليّات القتل الجماعي الّتي تلاحق حتّى السّاعين لتأمين احتياجاتهم من الغذاء والدّواء في ظلّ الحصار المطبق عليهم ما يندى له جبين الإنسانية، ومع الأسف يجري كل ذلك في ظل صمت العالم وسكوته وعدم اصداره حتّى بيانات الإدانة.
إنّنا نحيي صمود هذا الشّعب وثباته في أرضه وعلى التّمسك بمقاومته الشّجاعة متسلّحًا في ذلك بإيمانه بالله وحقّه بالحريّة، ونحن على ثقة بأنّه رغم قلّة الامكانات والتّضحيات الجسام سيمنع العدو من تحقيق أهدافه الّتي يسعى إليها وتحقيق تطلّعاته في العيش الكريم على أرضه وامتلاك قراره فيها عاجلًا أو آجلًا.ونعود إلى لبنان الّذي يستمرّ العدو الصّهيوني في استهدافاته من خلال الغارات المتواصلة على مناطقه، وعمليّات الاغتيال للّبنانيّين أثناء تنقّلهم وداخل قراهم أو التّفجير للبيوت المتبقّية في القرى الحدوديّة لمنع النّاس من العودة إليها أو الطّلعات الجوّيّة لمسيّراته الّتي تجوب المناطق اللّبنانيّة وصولًا إلى بيروت والّتي يسعى العدو من خلالها إلى الضّغط على لبنان للرّضوخ لهذا العدو والقبول بمطالبه الّتي تمسّ بسيادة البلد وأمنه واستقراره.إنّنا نعيد دعوة الدّولة لتحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها والقيام بدورها في حمايتهم.
فلا يجوز أن يمرّ هذا الأمر مرور الكرام ومن دون حتّى بيانات استنكار وشجب وإدانة والّتي هي أضعف الإيمان، وعدم التوقّف عن التّحرّك الدّبلوماسي لإيجاد بيئة دوليّة ضاغطة على الكيان الصّهيوني لارغامه على الالتزام بالاتّفاقات المعقودة، ونحن على هذا نجدّد دعوتنا للبنانيين جميعًا إلى أن يكونوا أمناء على هذا الوطن وأن يتوحّدوا ليواجهوا الضّغوط الّتي تمارس أو تلك الّتي ستمارس عليهم والّتي تمسّ أمنهم وسيادتهم وأن يستحضروا في مواجهة ذلك مواقع قوّتهم وأن لا يسمحوا للعدو أن يستفيد من كلماتهم وتصريحاتهم ومواقفهم.
وأخيرًا سنكون في الأسبوع القادم وفي مثل هذا اليوم يوم الجمعة الرّابع من تمّوز مع ذكرى ارتحال السّيّد الوالد (رض) إلى رحاب ربه، وهو الّذي عاش معنا ولم يغادرنا في كلّ الظّروف والصّعوبات والتّحديات ومن نهلنا من معين علمه وفكره وكلماته ومواعظه وأحاديثه ومن أفنى عمره ليخرجنا من ضعفنا وجهلنا وتخلّفنا… ومن عمّق وعينا بالإسلام في نقائه وصفائه وعرّفنا أن الحياة لا تبنى بالضّعف والتّسليم بالأمر الواقع بل بمنطق الأعزاء والأحرار الّذين يعيشون هموم النّاس كل النّاس والأمّة، ومن يقفون المواقف العزيزة ممّن لا يخشون في الله لومة اللائم.ونحن وبسبب الظّروف الصّعبة الّتي نعيشها لن نقيم هذه السّنة احتفالًا بل سنلتقي في هذا اليوم لنتوجه إليه بسلامنا ونهديه ثواب قراءتنا الفاتحة له اعترافًا بالجميل وشكرًا له لما قدم والّذي سنحفظه جميعًا بكل ما استطعنا
من قوّة.