
يا محمد،
لست على حق،لا، حنينك إلى زمن ومكان سابقين جميل للذكرى وليس شرطاً رائعاً لتعود اليهما.
الزمن يعبر ولا يبقى حتى لو حافظ المكان على حاله،لو عدت ستجد الشوارع والبيوت وربما الأشجار إنما لن تجد زمانك.
زمانك إن غادرته لا ينتظرك ابداً.
لا ينتظر احداً .
جميلٌ أن يراودك الحنين إنما لا تجعله يخدعك بأن تحاول العودة .
ما عاد احد الا و وجد وهمه امامه يبكي ويرجوه ان يعود من حيث أتى لأن من كان هنا اختفى او هرم او مثلك في يوم ما رحل ولم يعد.
يشعر المريض في المستشفى انّ اجله قد اقترب لذلك يطالب عائلته ان يعود إلى البيت حيثما كان وعاش في صحة أفضل ظنّا منه انه سيكون في بيته بحال افضل من ناحية ومن ناحية أخرى لأنّه يشعر ان موته على سريره في بيته الذي اعتاد عليه أكثر دفئاً وحناناً وأماناً.
الإنسان يربط بين وقت سعادته مع المكان والزمان والذكريات اللطيفة.
وانت يا محمد لن تعود لزمانك ابداً فاحرص على العمر الذي أنت فيه.
حتى لو تواعدت مع كل رفاقك ان تعود الى المقاهي فإنّك ستدرك بعد ساعة من زمن اللقاء ان على كل واحد منكم ان يعود من حيث أتى لأن السبب الذي جعلكم تغادرون لم يتغيّر.
كنت محقاً عندما غادرت.
الحنين طبيب جرّاح تجميل ماهر يجمّل لك كل ذكرياتك ويخفي حتى ندبات الوجع والعذاب.
لا تصدّق الطبيب دائما،مهمّته أحياناً ان يكذب عليك لتصمد.
الحنين نفسه يُلزم مهاجراً أمضى اكثر من عشرين او ثلاثين سنة في الغربة ان يوصي أولاده بدفنه في قرية بائسة هرب منها شابا انما قرب ضريح أمّه وابيه واخوته لأنّ الحنين للعائله الأولى قاهر،لأن العائلة الأولى كانت تضمن الحماية والفرح وكانت وذاك هو الاهمّ كانت العائلة الأولى ترعى الدهشة وتصفق عند النجاح.
حنين ودهشة هذا كل ما في الأمر.
عشت كل طفولتك وصباك بإنتظار كلمة تهنئة ولو بالفرنسية ككلمة”برافو” او “احسنت” وأنت وكأنّك يا محمد تفتقد تلك أل “برافو” من والديك .
مذ ما عدت تسمع برافو او احسنت من أهلك صار قلبك أقسى.
زوجتك بخيلة عليك بالاطراء رغم تعبك .
أتعلم لماذا؟
لأنها هي بحاجة للبرافو اكثر منك.
أتعلم يا محمد؟
اليوم خطبة الجمعة والشيخ يصدح صوته عبر مكبّر للصوت يحذرنا ان لا مكان ولا زمان يحددان حدود لله.
كيف اقسم له اننا في كل المنطقة نوافقه الرأي؟
ليست المشكلة هنا،المسألة انّه يكرر محتوى خطبته منذ سنوات طويلة والمؤمنين هم أنفسهم لم يتغيروا.
انا هنا صرت اشتاق لصوته .
خدعة الحنين.
الحنين ان تتذكر وان تبتسم لا ان تحاول أن تعود.
لا تعد!
لا تعد يا محمد،
زمانك تغيّر.
حتى التي كنت تحبها إن عدت ربما ستجدها الا انّك ستشعر انها ليست التي كنت تحبها انما صبية أخرى اعتادت غيابك…
يا محمد،
تذكر ولا تعد ففي العودة خيبة وألم ونهاية سيئة لحكاية كانت تجعلك تبتسم والابتسامات اليوم قليلة.
صحيح،انت محقّ، عد الى والديك في ايامهما الأخيرة وهذا ليس حنين فقط إنما حب و وفاء و واجب.
اقول كلامي هذا واستغفر الله لي ولكم.
والله اعلم.
د.احمد عياش
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.