اخبار ومتفرقات

ظاهرة الصخب في محرَّم

كُنَّا فيما مضى، إذا أقبل شهر محرَّم الحرام، نسمع أصوات مجالس العزاء من بيوتنا ولكن القريبة من المساجد والحسينيَّات، وكان يقتصر ذلك على أوقات قراءة العزاء الحسينيِّ.

أمَّا اليوم، فأصبحنا نسمع الأصوات العالية طوال العشرة الأوائل من محرَّم صبح مساء حتى منتصف الليل، نسمعها من كل الجهَّات؛ فشكا إلينا الكثيرون، خاصَّة المرضى، والذين يعانون مِنْ اضطرابات عصبيَّة، وكذلك مَنْ يعانون مِنْ اضطراب ما بعد الصدمة مِمَّنْ فقدوا أعزاءَهم، أو خرجوا مِنْ تحت الأنقاض ولم يعودوا كغيرهم يحتملون الأصوات الصاخبة التي تثير ذكرياتهم الأليمة؛ إذ لا يخفى أنَّه لم يمرَّ بعد على نهاية الحرب الضروس التي عشناها إلا أشهر قليلة، وما زلنا نعيش تحت ضربات محتملة للعدوِّ الصيهونيِّ في أيَّة لحظة، وكذلك أجواء الحرب الإقليميًّة التي انتهت منذ أيَّام، والتي أثَّرت في نفوس جميع القاطنين في بلادنا، غير ناسين لأصوات المسيَّرات التي تؤرقنا ليل نهار خصوصا في الضاحية الجنوبيَّة.

والسؤال:

هل يجوز رفع الصوت بهذا القدر المفرط؟! وإن كان من يرفع الصوت يجد في ذلك مصلحة، فهل هذه المصلحة المدَّعاة أهمُّ مِلاكًا من عدم إيذاء الناس؟!

هنا يحضرني هذا الحديث النبويُّ الذي منع فيه النبيُّ أصحابه مِنْ رفع صوتهم بالأذان (الواجب)؛ حيث جاء في الحديث: “كُنَّا مع النبيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) في سَفَرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بالتَّكْبِيرِ، فَقالَ النبيُّ: أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبَعُوا(١) علَى أَنْفُسِكُمْ، إنَّكُمْ ليسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا”. ومعنى (أربعوا على أنفسكم): أي اِرفقوا بأنفسكم، ولا تُجهدوها برفع الصوت، واهدؤوا.

 

– وقال عندما سمع قومًا يرفعون أصواتهم في المسجد.: “إِنَّ المَسْجِدَ لَمْ يُبْنَ لِهَذَا، إنَّمَا بُنِيَ لِذِكْرِ اللّٰهِ وَالصَّلَاةِ”؛ وقد جاء الأمر الإلهيُّ بعدم الجهر فيهما؛ فقال (عزَّ مِنْ قائل): {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} [سورة الإسراء: ١١٠].

 

– كما ورد عن النبيِّ في توجيهه العامِّ للخُلُقِ الحسن قوله: “إِنَّ اللّٰهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ”. ومن الرفق عدم رفع الصوت على الناس بلا سبب، إذ هو من الفظاظة والغلظة.

 

– وقال تعالى: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لصوتُ الحَمِيرِ﴾[لقمان: ١٩]. وقد فسَّر بعض السلف هذا الأدب بأنَّه نهي عن رفع الصوت بلا حاجة، خصوصًا إن كان يؤذي السامعين.

 

فلنتَّقِ اللّٰهَ حقَّ تقاتِه، ولنتأدَّب بأدب نبيِّ الإسلام الذي حرَّم أذيَّة الناس بأيِّ وجه، ولا نتعذَّر بالسيرة الحسينيَّة، فإنَّ الحسين (عليه السلام) خرج وثار لإحياء سنَّة جدِّه، وإحياؤها لا يعوز الصراخ والصياح طوال اليوم، ومَنْ يرى ضرورة أنْ يُسْمِعَ كلَّ النَّاس معه، فليقتصر على سرد السيرة الحسينيَّة في أوقاتها، وإنْ كان يرغب في نشر مكبِّرات الصوت على الطرقات، فحبَّذا لو يقتصر على مسيرة اليوم العاشر؛ إذ لا حاجة لإطلاق عنان (اللَّطميَّات) لعشرة أيَّام طوال اليوم حتى ساعة متأخِّرة مِنَ الليل. 

د. السيد حسين الحسيني

زر الذهاب إلى الأعلى