
نجوت من الغربة بحد ادنى من التوتر النفسي وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب والارق والخوف من العودة إلى البلاد محنطاً مجمدا في صندوق خشبي او معدني بين حقائب المسافرين.
غير لائق ان تعود في حقيبة سفر كما غير لائق كان ان ترمى في الصندوق الخلفي لسيارة تابعة للمخابرات او للميلشيات.
لا فرق.
ولم انج في الوطن من مسلسل الخيبات والفوضى وتناطح المواطنين من أجل لقمة العيش ومن نفاق اهل السياسة والتجارة والمصارف والطوائف.
في الغربة انت مرتاح إنما غير مسرور وهنا انت مسرور إنما غير مرتاح ولو ان هذه المعادلة غريبة جدا.
لماذا انت مسرور هنا رغم انك غير مرتاح وغير مطمئن فذاك من خير الخبر العاجل عليك واللحظات المثيرة بين الحياة والموت وبين استفزاز طائفي احمق و طائفي مستتر ماكر و ذكي يحكيك بالمواطنية.
كلهم يكذبون كما لا يلمّك احد إن سقطت في الشارع في الغربة .
انا المطرود من العمر في الغربة والملزم بالعيش في الزمن اعيش في الوطن كل عمرٍ عشر مرات من خارج الزمن فكل يوم هنا انت مهدد بحادث سير او باشتباك بالسلاح الأبيض مع مشاغبين او بخطة مُحكمة من قراصنة الدولة والمصارف وسماسرة الخدمات وعصابات الاحزاب.
هنا يجب استخدام “الحمدلله عالسلامة” بدلا عن “صباح او مساء الخير” عند اللقاء و ان نستخدم” لا نؤذيكم ولا تؤذونا” بدلا عن “السلام عليكم” افضل لا بل اجدى لا بل أوضح لا بل أسلم لا بل اصدق.
كلنا نكذب.
هنا البعوض اوقح لا يكتفي بمص دمّك إنما يصرّ ان يعطيك علم وخبر في اذنك كي تنزعج اكثر.
لا فرق هنا بين البعوض وتحذيرات افيخاي ادرعي بالاخلاء الفوري ولا حتى مع إطلاق نيران صديقة تنبّهك بمغادرة بيتك قبل وصول الطائرات.
حتى البعوض يطالبك باخلاء المكان.
اخليت كل الامكنة وتهت في الازمة.
انا التائه أضعت خطة العودة.
لم يبق لي غير التقية والاختفاء والاستتار بالالون لانجو.
لا بد لي ان اكون حرباء لانجو.
بعوض ام طائرات لا فرق،هنا تختلط الامور عليك فالجميع مستعد ان يصلي صلاة الجنازة فوق نعشك مقابل مئة دولار وان يكذب و هو يقول “اللهم لا نعرف عنه الا خيرا” والجميع يعلمون انك الأكثر شرّاً في الحيّ.
انا المنفي من الزمن كيف ارضيه لأعود وانا العمر هارب منّي كيف اعيده؟
وتظن انك نجوت ،يشبّه لك،لن تنجو…
لا في الغربة مسرور ولو كنت مرتاحا ولا في الوطن مرتاح ولو كنت مسروراً.
هذه هي المعادلة الصعبة.
لن ينجو أحد!
د.احمد عياش
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.