
لا شيء يثبت ان الانسان إن توقف عن الحركة والكلام وتعفّن وحتى لو بدى كأنّه اندثر أنّه مات.
لا شيء يثبت.
هذه المقابر وهذه الصور ومعهم الغياب لا يكفون كأدلة ان الموت حقيقة.
تواقيع الطبيب ومأمور النفوس و المختار وشهادات الاهل والجيران غير ملزمة للعقل ليصدق ان الذي كان وقالوا انه مات قد مات.
لا أحد يموت.
لا يموت الإنسان من مرض ولا من رصاصة ولا من شيخوخة ولا في حادث مفاجىء ولا من سمّ ولا من غرق ولا باختناق ولا بسقوط مريع ،كل ما ذكرناه سبب للإنسان ان يتحوّل لا ان يموت.
الإنسان خاضع لقوانين التحوّل الفيزيائي مثله مثل كل مكونات الطبيعة .
الإنسان جزء جوهري من هذه الطبيعة وليس حالة شاذّة.
الطبيعة بحاجة لقانون التحوّل لتستمر في الحفاظ على التوازن.
ما يقال عنه موت ليس غير إعادة تنظيم علمي دقيق جدّاً لانتظام الحياة.
الحياة أقوى من الموت رغم كل شرّ الإنسان حتى هيروشيما وناغازاكي يضجان بالحياة.
مات الموت.
وحده الموت لم يولد ولم يخلق ولم يكن .
انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء إثبات ان الإنسان لا يموت إنما يتحول،يهاجر،يمارس متعة الاختفاء.
كل امرء سافر إلى البعيد ولم يرسل رسالة ولم يتصل بأهل وأصحاب واختفت اخباره يؤدي مهمة الموت وهو ما زال حيّاً.
مات الموت قبل أن يحيا.
لم يكن الموت موجوداً ليثبت حضوره.
كل من يتوقف عن الحياة يؤدي مهمة بيولوجية-فيزيائية مكملة لقوانين توازن الطبيعة.
ليس الموت غير حالة هلع لفكر قلق مرعوب إنما لأمر غير موجود.
حتى جهنّم والجنّة يكملان ثبات قوانين فيزياء الكون ليبقى محافظاً على توازنه كي لا يصطدم كوكب بنجم وكي لا يبتلع الثقب الاسود كرة الارض.
ما نظنّه موتا ليس غير تضحية من الإنسان ليكمل معادلات فيزيائية طارئة من أجل توازن الكون.
حتى الحروب والطوفان والزلازل والاعاصير والمد والجزر والطقس الحار والجاف والبرد والجليد يكملون بوجودهم بعضهم البعض كي يبقى الكون متوازناً.
انت لست غير جزءاً بسيطاً جدا من معادلة فيزيائية كونية تلبي مهمتك عندما ترى الطبيعة ان دورك قد انتهى كجسم وكنفس وكروح وانّه قد آن الأوان لتكون رمزا في معادلة أخرى ليستتب أمن هذا الكون.
ربما كان دورك ان تكون وردة على كوكب المريخ بعد مئة سنة ضوئية ولا بد من تجارب التحضير.
الله اعلم فيك وبتحولاتك.
اطمئن انت لا تموت.
انت جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
انت باق ولو ذرة في غبار هذا الكون ولو حرفا من قصيدة ولو نقطة ماء في مطر غزير فوق نبتون بعد الف سنة ضوئية.
انت لا تموت.
اطمئن!
د.احمد عياش
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.