
” إيّاك وظُلمَ من لا يجد عليك ناصرًا إلا الله” – بهذه الكلمات القليلة، وضع الإمام الحسين (ع) حجر الأساس لمفهوم أخلاقي عميق يتجاوز حدود اللحظة التاريخية التي قيلت فيها، ليصبح مبدأ إنسانيًا خالدًا يُخاطب الضمير قبل القانون، ويزرع الخوف من الظلم لا في قلب المظلوم، بل في قلب الظالم نفسه.
في مقولته هذه، لا ينهى الإمام عن الظلم بوصفه فعلًا سلبيًا فحسب، بل يُحذّر تحديدًا من الظلم الذي يُرتكب بحق الضعفاء، أولئك الذين لا يملكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم، ولا صوتًا يُنصفهم، ولا ناصرًا إلا الله. إنها ليست فقط دعوة للرحمة، بل دعوة لتحمّل المسؤولية الأخلاقية في لحظة التفوّق أو السلطة أو القدرة.
الخطورة التي يُبرزها الإمام الحسين (ع) لا تكمن في الظلم وحده، بل في غياب التوازن في موازين القوة؛ فالظلم عندما يُمارَس على من لا حول له، يتحوّل من انتهاك إلى جريمة أخلاقية مضاعفة، لأنه يستغل العجز بدل أن يحميه، ويُوظّف التفوق لا في خدمة العدالة، بل في سحقها.
هذه المقولة تُعيد رسم معايير السلوك الإنساني، فالإنسان العادل ليس من لا يظلم القوي، بل من يخشى الله في الضعيف. ولا يُقاس التحضر بمدى الاحترام لمن يملك القوة، بل بالرحمة لمن لا يملك شيئًا.
في المجتمعات الحديثة، يُمكننا إسقاط هذا المفهوم على مجالات متعددة: في التربية، حين يملك المعلم سلطة الكلمة على الطالب؛ في الإدارة، حين يمتلك المسؤول أدوات القرار على من هم دونه؛ في العلاقات الاجتماعية، حين يكون للمرء الكلمة العليا في وجه من لا يملك غير الصمت.
لحسين (ع) في كربلاء لم يكن فقط شهيدًا للحق، بل كان واضعًا لقواعده… ومن خلال هذه المقولة، أرسل تحذيرًا أخلاقيًا خالدًا:
أن تكون مظلومًا أقرب إلى الله من أن تكون ظالمًا لا يخشاه. وأن الله لا ينسى من ظُلم بلا ناصر، بل يكون هو ناصره.
وفي زمن تتكاثر فيه أشكال الظلم الخفي والناعم، تصبح مقولة الحسين (ع) بمثابة بوصلة روحية وقانونية وأخلاقية، تُعيدنا إلى جوهر العدالة لا كسلطة، بل كرحمة، لا كقانون، بل كقيمة. فيا أيها الإنسان إيّاك وظُلم من لا يجد عليك ناصرًا إلا الله، لأنك حينها لن تواجه صوتًا بشريًا، بل ستجد خصمك هو الحق ذاته.