اخبار ومتفرقات

باراك أخبر الجميع: المطلوب ليس نزع السلاح بل تنفيذ مشروع لبنان الجديد

المقدمة:
المبعوث الأميركي، لم يطالب بتسليم سلاح حزب الله. بل إن اللقاءات الجانبية مع “اورتاغوس” هي التي طوّرت المشروع، فانتقل من فكرة أميركية تتعلق بدور لبنان الجديد في عملية السلام في الشرق الأوسط، إلى خلق معضلة اسمها “سلاح حزب الله”، وهي معضلة صنعها العقل السياسي اللبناني.
سبب هذه المشكلة أن السياسيين في لبنان لا يملكون اطلاعًا حقيقيًا على ما يجري في المنطقة والعالم. وعندما وصل المشروع الأميركي إلى لبنان، تفاجأ الساسة اللبنانيون بهذا الطرح. وبسبب عجزهم عن الفهم السياسي، أو عن إيجاد حلول حقيقية، وبما أن غايتهم الوحيدة هي حماية أنفسهم والبقاء في السلطة ولو على حساب كل لبنان، بدأ كل واحد منهم يُلقي باللوم على سلاح حزب الله.
لذلك، ما قاله المبعوث الأميركي باراك
“يا ساسة لبنان، لماذا تقولون إن الإدارة الأميركية تطالب بما لم تقله أصلاً؟ ليس مطلوبًا تسليم سلاح حزب الله، ويمكن الاحتفاظ بسلاحه الفردي والمتوسط ضمن مناطقه الشيعية فقط.”

انا لم ألتقِ بأي مبعوث أمريكي كي أستمع إليه، لأنني ببساطة لا أحتاج أن أسمع، فأنا أعلم ما يُراد، وأعرف ما سيحصل، وإلى أين يتجه لبنان والمنطقة.
المشكلة اليوم في لبنان لا تتعلق بسلاح حزب الله، ولا حتى بالضغط الأمريكي أو الغربي أو العربي. الأزمة الحقيقية هي أزمة نُخب سياسية وإعلامية.
لقد وصلنا إلى مكان بات فيه الأمريكي والفرنسي مضطرَّين لشرح كل شيء للساسة اللبنانيين كأنهم في روضة أطفال. ما عدنا نملك “اللبيب الذي من الإشارة يفهم”.

المسألة إذن ليست متعلقة بالسلاح، لا من قريب ولا من بعيد. حتى لو امتلك حزب الله قنبلة نووية، أو مجرد بندقية، فالمشكلة ستبقى سياسية.

فالاسلحة التقليدية لم تعد فعالة في النظام الجديد.
روسيا تمتلك الجيوش والاسلحة وحتى حق النقض في مجلس الامن، وتم اليوم اغراقها بمعركة استنزاف لن تبقي شيء منها.
ثم إيران تمتلك عشرات الآلاف من الصواريخ وجيش وحرس ثوري جدا قوي، ومناطق شاسعة لا تستطيع جيوش المنطقة كلها التقدم نحوها. وعندما أرادوا إقحامها في الحرب، فعلوا.

لكن لبنان يعاني من معضلة سياسية خالصة. لا يوجد رجال دولة، بل مجرد منتفعين كبار وآخرين صغار، وشعب يصفق، منقسم على نفسه، كل فئة تهتف لنفسها: سواء أكان الأمر صوابًا أم خطأ، وسواء سارت الأمور على ما يرام أم لا، فالمهم هو التهليل والتعظيم والتبخير.

ما نسمعه اليوم من تحليلات سياسية لا علاقة له بالواقع. كان الأمريكي يرسل الإشارات منذ سنوات، محاولًا أن يُفهم هؤلاء الساسة أن هناك مشروعًا جديدًا للبنان، وأن عليهم التجهز لما هو قادم. لكن في الوقت الذي كان فيه الأمريكي والأوروبي يرسمان ملامح المرحلة المقبلة، كان ساسة لبنان غارقين في المحاصصة وتدمير مؤسسات الدولة وقدرات الشعب اللبناني.

ما نشره الإعلام اللبناني اليوم وأثار ضجة كبرى، هو في الحقيقة أمر سخيف، ليس لأنه بلا قيمة، بل لأنه تكرار لما قيل سابقًا ولم يسمعه أحد.
نُشِرَ بالأمس: “واشنطن تسعى لتنفيذ خطة أمنية تقضي بإخلاء المنطقة بين الليطاني والأولي، باعتبارها قاعدة خلفية لحزب الله، مقابل انسحاب الاحتلال من مواقع معينة. وتشمل الخطة تسليم السلاح الثقيل، وانسحاب الحزب من بيروت الكبرى، والضاحية، وجبل لبنان، مع حصره في الجنوب والبقاع بسلاح خفيف فقط، كما هو حال باقي الأحزاب، لتتحول المقاومة إلى كيان محلي محصور جغرافيًا وغير فعال استراتيجيًا”.

أنا، الذي لا أملك ثمن بنطال، كتبتُ عن هذا المشروع منذ سنوات. كتبتُ هذا في 10 تموز 2021، في مقال بعنوان “ماذا سيحصل في لبنان بعد اعتذار الحريري؟”، وقلتُ يومها إن هذا المشروع لا ينفذه إلا ترامب، وإنه سيُستكمل بعد عام 2022. وهو ما يحدث الآن.
يتحدث النص عن سيناريو تدخل فرنسي في لبنان يفرض تشكيل حكومة شبه عسكرية مؤقتة لإدارة البلاد والإشراف على الانتخابات، بالتزامن مع وصول مساعدات غذائية محدودة. هذا الدعم الشحيح يؤدي إلى فقر وجريمة وانهيار شامل في معظم المناطق، باستثناء جبل لبنان، الذي ينجو نسبيًا من الفوضى، ويشهد تدفقًا هائلًا للأموال بعد “غربلة اجتماعية” لفئة محددة.
يتنبأ النص بزوال لبنان، كما جاء في مقال سابق عام 2018، بسبب الفساد، ثم يتم رسم خريطة جديدة للبلاد تُقسّمها فعليًا كما حدث في الكوريتين. في خضم ذلك، تسعى أمريكا إلى “تتريك” طرابلس لوقف التمدد الروسي، فيما تسعى فرنسا للسيطرة على الغاز اللبناني لتعويض اعتمادها على روسيا. كل هذا يتم ضمن مخطط يبدأ عام 2022 كبداية لـ “النظام العالمي الجديد” الذي يتحدث عنه الكاتب منذ ثلاثين عامًا.

وعُدتُ في 22 نيسان 2022 في مقال بعنوان “هل بدأ الإعداد لعزل شيعة جبيل وكسروان؟”، لأوضح أكثر:
“المطلوب هو تقسيم لبنان. إقامة منطقة آمنة في جبل لبنان تحت رعاية الغرب، بحجة أن سكانها غير مناهضين للسياسات الغربية، ولإخراج أي قوة مناهضة منها، خصوصًا الشيعة. فإن لم يغادروا طوعًا، فسيُجبرون على الرحيل، ربما عبر تحريك الشارع والتظاهرات”.

بكلام أوضح، أمريكا لا تريد نزع سلاح حزب الله كأولوية، بل تريد تنفيذ مشروعها، وإذا وافق الحزب على الانكفاء إلى مناطقه وعدم عرقلة الخطة الأمريكية، فلن يتعرض له أحد، بل ستُمنع أي قوة أخرى من التدخل ضده.

ولن تكون هناك حرب هذا الصيف.

باراك، المبعوث الأمريكي، ليس مفوضًا بالتفاوض مع أحد، بل هو مجرد ناقل للرسائل. التفاهمات الفعلية تُحضَّر لتُسلَّم لفريق جديد، سيُكلَّف بالملف اللبناني خلال السنوات الأربع المقبلة.

ما يُقال في الإعلام ليس سوى ضجيج لا يلامس الواقع. الساسة اللبنانيون لا يفهمون ما يدور في العالم، ولا يدركون حجم التحولات الكبرى.

والشعب، للأسف، يتبع إعلامًا وسياسيين يعيشون على كوكب المريخ، وسيأخذونه معهم إلى كوكب آخر خارج الكرة الأرضية.

الخاتمة: كل ما تسمعونه اليوم قد أُعِدَّ قبل عشر سنوات تقريبًا، ويعتقد الأمريكيون أنه يجب أن يُطبَّق بحلول عام 2027. وما أخشاه هو أن يُفاجأ الأمريكيون والغربيون من هول صدمة الشعب اللبناني بما يسمعه اليوم.

فيا أسفًا على الشعب اللبناني الذي ضاع بسبب سياسيين وإعلاميين لا يعرفون كوعهم من بوعهم.


المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى