اقلامالسياسية

الامام الحسين وحضور السيد حسن نصرالله… الغائبان الحاضران في العاشر من محرم.

الامام الحسين وحضور السيد حسن نصرالله… الغائبان الحاضران في العاشر من محرم.

بقلم ناجي علي امهز

في كل العاشر من محرم، يتجدد الوجع، ويثور الحنين من عمق القلب الشيعي… كأن الدمعة المعلقة في عين الزمان لم تجف منذ واقعة كربلاء.

تتحول الطرقات إلى بحار بشرية، تتحرك كما الطوفان، تلبّي النداء الأبدي:

“هل من ناصرٍ ينصرني؟”

لكن هذا العام، لم يكن العاشر كغيره من السنين.

لقد سكن الحزنُ مضاعفًا، وتشظّى الصوت بين منادٍ للحسين، وباكٍ على “الشهيد السيد حسن نصرالله.

فالحسين الذي غاب بجسده قبل 1400 عام، كان حاضرًا كعادته في كل قطرة دمعة،

وحسن نصرالله، الذي غاب بجسده هذا العام، كان الحاضر الأكبر في القلوب والعقول، وفي النداءات المبللة بحرارة الحنين.

الحضور الذي لا يُقاس بالزمان

الحسين ليس ذكرى، بل مدرسة.

وحسن نصرالله لم يكن رجل دين وسياسة فقط، بل حامل راية الحسين في العصر الحديث،

هو الذي عاش بين الناس ساجدًا في الظل، ومقاتلًا في العلن،

هو الذي جعل الحسين أكثر حضورًا في الشوارع، لا في المجالس فحسب.

وفي يوم العاشر، لم تكن الجماهير تُحيي فقط مصاب كربلاء،

بل كانت تشيّع الحسين مرة، وتستذكر حسن نصرالله مرّتين. وتبكي على نفسها الف مرة.

ذلك أن نصرالله لم يكن زعيمًا عادياً، بل ابنًا بارًا لكربلاء، من نسل الصبر، وجذر الثورة، وسُلالة الدم النقي الذي لا يساوم.

لغة الفقد: الحسين شهيدُ النقاء، ونصرالله شهيدُ الوعد

في لحظات المسيرات العاشورائية، حين ترتفع الصرخات، وتحتشد الأرواح،

يحدث التداخل العجيب:

تُستحضَر كربلاء، لكنك ترى صورة حسن نصرالله على القلوب،

وترى على كل لطم وجع الجنوب، وعلى كل نداء اسم الشهيد الذي وعد فصدق، وقاتل فانتصر، وغاب فصار نورًا لا يُطفأ.

لقد اختلطت دمعة الحسين بدمعة نصرالله، وصار العاشر هذا العام موكبًا مزدوجًا للثورة والفداء.

هو لم يمت، بل غاب الجسد فقط، كما غاب جسد الحسين، وبقيت الروح سيفًا فوق رؤوس الطغاة.

هل غاب حقًا؟ أم صعد مقامًا؟

قالوا: استُشهد الامام الحسين، فبكينا حزنا اننا لم نكن معه.

قالوا: استُشهد حسن نصرالله.

فبكاه الفقراء قبل الأبطال، وبكته البيوت التي كانت تستظل بظلّه،

وبكاه الأيتام الذين لم يروه، لكنهم كانوا يسمعون اسمه كما يُسمع صوت العدالة في زمن الظلم.

لكنه ما مات.

الموت يفقد معناه عندما يتماهى الإنسان مع الحسين.

الموت يصبح بداية، لا نهاية.

والفقد يتحول إلى شعلة، لا خمود.

من الحسين إلى حسن: وصية الدم المستمر

لم يكن هذا العاشر محطة بكاء فقط، بل صار لحظة إدراك.

أن الدم الذي سال في كربلاء لم يُهدَر، وأن الجمر الذي كان في يد الإمام الحسين،

حمله السيد حسن نصرالله دون أن يُطفئه.

وهكذا نرى في هذا العاشر:

الحسين الحاضر في كل ضمير لم يساوم.

وحسن نصرالله الحاضر في كل طفل يصرخ: “لبّيك يا زينب”، وكل شاب يهتف: “ما تركناك يا حسين”.

كلاهما غائبان بالجسد، حاضران بالرسالة، خالدين في نبض الشيعة والمحبين، والمظلومين في الأرض.

النهاية التي ليست نهاية

في لحظة ما، ستنقشع الغيوم.

وسيُكتب التاريخ من جديد لا بالحبر، بل بالدمع.

وسيُقال في كتب الملاحم:

كان هناك رجلان، واحد في كربلاء، والآخر في الضاحية… غابا، لكن لم يغِب نورُهما.

وكان هناك شعب لا ينسى، وإن بكَى، صَمد… وإن خَسر، قاوم… وإن فَقَد، استعاد.

فلا الحسين مات، ولا نصرالله مات.

بل نحن الذين نولد من جديد، في كل عاشوراء، من دمهم، ومن رسالتهم،

نولد لكي لا تموت الكرامة.

الكاتب اللبناني: ناجي علي أمّهز

لأن الأرواح التي تعيش بالحق، لا تموت. بل تغيب لتعود أكثر اشتعالًا.

زر الذهاب إلى الأعلى