
في ظلّ استمرار النزاعات والنزوح الجماعي في بعض المناطق، مع عدم قدرة جميع السكان على العودة، عقب الحرب الاخيرة، يواجه لبنان خطرًا صحيًا متصاعدًا قد يهدد الالاف من سكانه. فقد كشفت دراسات اطّلع عليها “لبنان24” أن المؤشرات الصحية في البلاد لا تزال تشكل علامات استفهام كبيرة منذ بدء الحرب، وسط تحذيرات من احتمال تفشي أوبئة وأمراض معدية على نطاق واسع.
أزمة مركبة: نزوح جماعي وبنية تحتية منهارة
الأحداث الدامية على الحدود الجنوبية أجبرت نحو 900 ألف شخص على النزوح داخليًا، كثيرون منهم لا يزالون يعيشون اليوم بعيدا عن منازلهم، أو في ظروف غير صحية تفتقر إلى المياه النظيفة والصرف الصحي. هذه الظروف، وفق ما أشار إليه تقرير أممي سابق، هي بيئة مثالية لتفشي الأمراض المعدية مثل الكوليرا والتيفوئيد، خاصة مع تضرر أكثر من 40 منشأة مياه رئيسية منذ تشرين الاول 2023. ولا يقتصر الخطر على النزوح الداخلي فقط، إذ تساهم أيضًا الهجرة الجماعية نحو مناطق أخرى في لبنان وسوريا بزيادة احتمالية انتشار الأمراض عبر مناطق جديدة، في ظل انعدام القدرة على مراقبة الصحة العامة أو توفير لقاحات وقائية للسكان الأكثر ضعفًا.
قطاع الرعاية الصحية الذي كان يعاني أصلًا من شح الموارد وانهيار البنية التحتية، يواجه تحديات اليوم. فقد تم توثيق أكثر من 50 هجومًا على منشآت طبية خلال عام واحد، ما أدى إلى خروج العديد منها عن الخدمة، خاصة في الجنوب والبقاع. هذا الوضع ترك آلاف العائلات دون إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، وزاد من مخاطر تفشي الأمراض بين النازحين والأطفال.
وفقًا لتحليلات اطّلع عليها لبنان24، هناك مخاوف جدية من تفشي:
– الكوليرا: نتيجة تلوث مصادر المياه وشحّ الصرف الصحي.
– التيفوئيد والتهاب الكبدA: بسبب انعدام النظافة الأساسية والازدحام في الملاجئ.
– الأمراض التنفسية (مثل الحصبة والسعال الديكي): نتيجة اكتظاظ السكان في أماكن ضيقة وغياب اللقاحات.
– أمراض جلدية (الجرب والقمل): شائعة بين النازحين في المخيمات المكتظة.
كما يزداد القلق من إمكانية انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، خاصة مع تسجيل حالات تسمم مائي في بعض المخيمات، ما قد يكون إنذارًا مبكرًا لتفشي أوسع، علمًا أنّ العديد من المخيمات كانت قد ساهمت بتلويث مياه الري، ما انعكس بتأثير سلبي مباشر على المواطنين.
وحسب الارقام، هناك ارتفاع كبير في حالات الأمراض المعدية في لبنان خلال الأشهر الأخيرة، في ظل النزاع المستمر وظروف النزوح القسري، إذ يرى التقرير أنّ لبنان يواجه خطرًا كبيرًا لناحية انتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه، بما في ذلك الكوليرا، بسبب الفجوات المزمنة التي تفاقمت بتأثير النزاع. سنوات من العجز الاقتصادي أضعفت النظام الصحي، مما قلل من قدرته على مواجهة تحديات الصحة العامة، التي تفاقمت بفعل النزوح المرتبط بالنزاع والاكتظاظ في الملاجئ مع سوء الصرف الصحي. يخلق هذا التركيب من العوامل بيئة مثالية لانتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه، خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاع. يُقدَّر على مستوى العالم أن الكوليرا تتسبب في 1.3 إلى 4 مليون حالة و21,000 إلى 143,000 وفاة سنويًا. يمكن أن تصل حالات تفشي الكوليرا في لبنان مع ضعف القطاع الصحي وتضرر بنية المياه والصرف الصحي وازدحام مواقع النازحين إلى أكثر من 10,000 حالة.
في 2022، تم الإبلاغ عن إجمالي 8007 حالات مشتبه بها و671 حالة مؤكدة مختبريًا مع 23 حالة وفاة مرتبطة.
وحسب التقرير، فإنّ الشوف، بيروت، وعاليه كانت المناطق الاكثر استضافة للنازحين. وكانوا سكانها يواجهون خطرًا متزايدًا بسبب ضعف مرافق المياه والصرف الصحي.
أما عكار (61,762 نازح) فشهدت تسجيل حالة كوليرا في 16 تشرين الأول 2024، وهي معرضة للفيضانات التي ترفع خطر تفشي الأمراض.
والجنوب والنبطية، المتأثرتان بالنزاع مع إسرائيل، معرضتان لتفشي الأمراض بسبب غياب الخدمات الصحية وتوقف التلقيح.
التهاب الكبد الوبائي A في لبنان
ينتقل التهاب الكبد A بشكل أساسي عبر الطعام أو المياه الملوثة، ويزدهر في البيئات التي تفتقر إلى النظافة والصرف الصحي الملائم. . من هنا، ترى الدراسات التي اطّلع عليها “لبنان24” أنّه في المناطق المتأثرة بالنزاعات كلبنان، يزداد خطر انتشار المرض نتيجة تدمير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي (WASH)، وازدحام المخيمات، وتعطّل الخدمات الصحية العامة. وقد تم الإبلاغ عن أكثر من 2000 إصابة بالتهاب الكبد A في عام 2024، مما يجعل احتمال حدوث تفشٍّ مماثل أو أكبر في عام 2025 أمرًا واردًا.
وبحسب الارقام، تم تسجيل 2086 حالة إصابة بالتهاب الكبد A منذ بداية 2024 حتى منتصف تشرين الأول. بالتوازي، يواجه لبنان تحديات خطيرة في مكافحة الأمراض المعدية، في ظل انخفاض تغطية التلقيح بنسبة 40%، وضعف البنية التحتية الصحية (2.5/10 حسب تقييم “INFORM”)، وتشتّت الموارد بسبب جائحة كوفيد-19. فالتدهور في خدمات الصرف الصحي وغياب المياه النظيفة، خصوصًا في مناطق النزوح والعودة من النزاع، جعل الأطفال والنازحين في مرمى خطر التهاب الكبد A، الذي سُجلت منه أكثر من 2086 حالة حتى تشرين الاول 2024، معظمها في الشمال والبقاع. وتفاقم هذه الأزمات آثارٌ نفسية واجتماعية، لا سيما على النساء والفتيات في الملاجئ، حيث تنعدم الخصوصية وتُفتقد أبسط مقومات النظافة، ما يهدد صحتهن وكرامتهن، في وقتٍ تعاني فيه الدولة من قدرة محدودة على الاستجابة والاحتواء.
الحصبة: ارقام تنذر بالخطر
مع تصاعد القلق من تجدد تفشّي الحصبة في لبنان، تُظهر الأرقام مؤشرات مقلقة تنذر بخطر حقيقي في عام 2025، إذ سُجلت 84 حالة منذ بداية السنة حتى منتصف تشرين الأول، 98% منها لأشخاص غير ملقحين، في ظل تراجع التغطية اللقاحية، واكتظاظ المخيمات. ويُذكر أن عدد الإصابات بلغ 351 في 2023، وتجاوز 2,000 بين عامي 2018 و2019، معظمها بين الأطفال دون الخامسة الذين يمثلون أكثر من 63% من الحالات، ما يعكس هشاشة هذه الفئة خصوصًا عند اقتران المرض بسوء التغذية. ويُضاف إلى ذلك أن نحو 13,900 امرأة حامل في لبنان معرضات لمضاعفات خطيرة في حال الإصابة، فيما تُظهر بيانات 2024 تركّز الحالات في الشمال (27) والبقاع (21) وجبل لبنان (15)، ما يجعل هذه المناطق الأكثر عرضة لانفجار وبائي ما لم تُتّخذ إجراءات وقائية سريعة.
يشكّل الالتهاب السحائي تهديدًا صحيًا متصاعدًا في لبنان، حيث سُجّلت 295 إصابة منذ بداية 2024 حتى منتصف تشرين الأول. ويكمن الخطر في أن المرض يصيب فئات عمرية مختلفة: من حديثي الولادة المعرضين للعقدية من المجموعة B، إلى الأطفال الذين يواجهون المكورات السحائية والرئوية، وصولًا إلى المراهقين وكبار السن. وفي ظل بيئة صحية هشّة ونظام استشفائي منهك، تُحذر التقديرات من احتمال إصابة آلاف الأشخاص إذا تفشى المرض على نطاق واسع، ما ينذر بكارثة صحية تتخطى قدرة النظام الطبي على الاستيعاب، خصوصًا في ظل بطء التدخلات وغياب خطط تطعيم شاملة.
يبقى كل ذلك مرتبطا بالتحركات السريعة، خاصة على مستوى مكافحة التلوث، وهذا ما يظهر من خلال تحركات أساسية تقوم بها الجهات الامنية بالتعاون مع جهات أخرى، تسعى من خلالها إلى الحد من التلوث، خاصة على صعيد المخيمات العشوائية المتواجدة على ضفاف الانهر، وصولا إلى ملاحقة المصابين، وتأمين اللقاحات الاساسية التي تحدّ من أي موجة أوبئة قد تضرب لبنان. المصدر : لبنان 24