
تتجمع اليوم كل عناصر العاصفة المثالية التي قد تجعل من لبنان ساحة لأشرس مواجهة تشهدها المنطقة منذ الحرب الأهلية السورية، خاصة وأن الوضع الحالي لم يعد يحتمل التأويل، فلبنان يقف عند مفترق طرق تاريخي، إما حرب مدمرة تشبه مصير سوريا قبل التحرير أو حتى تتجاوزها في العنف، أو معجزة سياسية تبدو مستحيلة في ظل التعنت الحالي.
حزب الله، بتناقضه الصارخ بين قوته العسكرية وهشاشته السياسية، قد يكون يقود البلاد نحو حرب وجود ليس للبنان فقط، بل له كتنظيم أيضاً.
إن السيناريو الكارثي الأكثر تداولاً بين الخبراء العسكريين يتوقع حرباً تشبه السورية في وحشيتها ولكن بخصوصية لبنانية، فإذا اندلعت المواجهة، لن تقتصر على جبهة واحدة كما في 2006، بل ستشمل كل الأراضي اللبنانية، الكيان الصهيوني الذي تعلم دروس 2006، سيشن حملة جوية شاملة تهدف لتدمير بنية حزب الله التحتية: أنفاقه، مستودعات أسلحته، مراكز قيادته، وشبكة اتصالاته، لكن الفارق الجوهري أن هذه المرة، قد لا يتردد الكيان في ضرب البنية التحتية المدنية التي يستخدمها الحزب كدرع بشري، تماماً كما حدث في سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، تشير مصادر عسكرية إلى أن سلاح الجو “الإسرائيلي” أعدّ سيناريوهات لضربات متلاحقة على أكثر من 5000 هدف في أول 72 ساعة من الحرب، هذه الضربات لن تستثني المناطق السكنية إذا تأكد وجود أهداف عسكرية فيها. تجربة سوريا أثبتت أن الدمار قد يصل إلى 60% من البنية التحتية في حال استمرت الحرب لسنوات، لكن لبنان قد يشهد هذا المستوى من الدمار في أسابيع فقط بسبب صغر مساحته وكثافته السكانية العالية.
بالتالي، إن مصير حزب الله في هذه الحرب لن يكون أفضل حالاً، الخبراء يتوقعون ثلاث مراحل لمواجهته: الأولى تدمير 40-50% من قدراته الصاروخية في الأيام الأولى، الثانية تقطيع أوصال وحداته الميدانية، الثالثة ملاحقة قياداته في مخابئهم. الفارق عن سوريا أن حزب الله ليس نظاماً حاكماً يمكنه الصمود لسنوات، بل ميليشيا قد تفقد شرعيتها إذا ثبت للبنانيين أنها السبب في دمار بلدهم.
لكن الحرب لن تكون نزهة للكيان الصهيوني أيضاً، حزب الله يمتلك اليوم ما يقارب 150 ألف صاروخ، بعضها دقيق التوجيه يمكنه إصابة أهداف حساسة داخل العمق الإسرائيلي. هذا يعني أن إسرائيل قد تشهد أسوأ موجة تهجير في تاريخها إذا أطلقت صواريخ حزب الله على تل أبيب وحيفا، أما السيناريو الأسوأ هو تحول لبنان إلى سوريا جديدة من حيث الدمار، ولكن مع تداعيات إقليمية أكثر خطورة بسبب الانقسامات الطائفية الحادة والعلاقات المتشابكة مع القوى الإقليمية.
وحول اللاجئون اللبنانيون في هذه الحرب قد يشكلون أكبر موجة نزوح في المنطقة، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة تحذر من أن حرباً شاملة قد تدفع أكثر من 3 ملايين لبناني (أكثر من 50% من السكان) للنزوح داخلياً أو الهرب إلى الخارج. سوريا التي تستقبل اليوم لاجئين لبنانيين ليست كما كانت في 2006، فهي تعاني من أزمتها الخاصة، اما أوروبا، التي ما زالت تعاني من أزمة اللاجئين السوريين، قد تواجه كارثة إنسانية جديدة.
كما أن الاقتصاد اللبناني المنهار أصلاً لن يتحمل وطأة الحرب. الدولار الذي أصبح نادراً اليوم سينعدم تماماً، والمؤن الطبية والغذائية التي تعتمد على الاستيراد ستنفد في أسابيع. تجربة سوريا تظهر أن الحرب قد تعيد لبنان عقوداً إلى الوراء، مع انهيار كامل للقطاعات الصحية والتعليمية والخدمية.
لكن الفارق الجوهري بين لبنان وسوريا هو أن النظام السوري كان لديه حلفاء أقوياء مكنوه من الصمود، بينما حزب الله قد يجد نفسه معزولاً إذا قررت إيران، التي تواجه أزماتها الداخلية، التضحية به في لحظة ما. بعض المحللين يشيرون إلى أن طهران قد تختار إنقاذ ما يمكن إنقاذه في سوريا والعراق واليمن على حساب حزب الله، إذا وجدت أن كلفة دعمه أصبحت باهظة جداً.
بالتالي، إن المعضلة الكبرى أن لبنان اليوم أكثر هشاشة من سوريا قبل الحرب. الدولة التي فقدت سيطرتها على حدودها، واقتصادها المنهار، ومؤسساتها العسكرية الضعيفة، وشعبها المنقسم، قد لا ينجو من حرب جديدة. الفرق بين لبنان وسوريا أن الأخيرة كانت لديها مؤسسات دولة قوية نسبياً مكنتها من الصمود، بينما لبنان يعاني من فراغ دستوري وسياسي قد يحوله إلى “دولة فاشلة” حقيقية إذا اندلعت الحرب.
في النهاية، السؤال ليس هل ستندلع الحرب، بل متى وكيف يمكن تخفيف آثارها. لبنان الذي نعرفه قد لا يصمد هذه المرة، ومصير حزب الله قد يكون إما أن يتحول إلى مجرد ذكرى ككثير من الميليشيات التي ظننت نفسها أقوى من الدول، أو أن يجرّ البلاد إلى هاوية لن تبقى فيها لا دولة ولا مقاومة ولا حتى وطن. الخيار الآن بين أيدي الذين يمكنهم منع الكارثة، لكن الوقت ينفذ بسرعة، والشعب اللبناني هو من سيدفع الثمن كما دفعته الشعوب الأخرى في المنطقة.
وهذا يعني أن المنطقة لن تعرف الاستقرار بعد، وهنا لا نتنبأ الحرب ولكن لا ننفي إمكانية تجددها فالمهلة الأمريكية بحسب مطالبها هي فترة خمسة شهور وبهذه الفترة ستكون سوريا قد حسمت أمرها من اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني سواء سلام شامل أو اتفاقية أمنية، وإن لم يلحق لبنان بالركب فإن مصيراً أسوداً ينتظره.
كاتب ومفكر – الكويت
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.