
في كل مرة تتصاعد فيها الأحداث عسكريًا أو تدخل إسرائيل في أزمة جديدة، نجد الولايات المتحدة في طليعة الداعمين لها، سياسيًا وعسكريًا وماليًا. لا يُطرح السؤال عمّن بدأ النزاع، ولا يُلتفت إلى أعداد الضحايا، يكفي أن تُسمع صفارات الإنذار في تل أبيب، حتى تسارع واشنطن إلى إقرار حزم دعم جديدة، ويتعطّل تمرير قرارات مجلس الأمن بذريعة “حق الدفاع عن النفس”.
ولا يقتصر هذا الدعم على المستويين الدبلوماسي والإعلامي، بل يمتد أحيانًا إلى التدخل العسكري المباشر، كما شهدنا في المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وإيران. هذا الانحياز الفاضح ليس وليد اللحظة، بل نتيجة لتحالف استراتيجي طويل الأمد أصبح ركيزة من ركائز السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
من منظور واشنطن، تُعد إسرائيل حليفًا لا غنى عنه: نظام “ديمقراطي” في محيط من الأنظمة السلطوية، شريك موثوق في المجالين الأمني والاستخباراتي، وقاعدة متقدمة لخدمة المصالح الأميركية في المنطقة. غير أن هذا التحالف لا يقوم فقط على اعتبارات جيوسياسية. في الداخل الأميركي، تؤدي جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل – وعلى رأسها لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) – دورًا حاسمًا في توجيه السياسات، بفضل نفوذها الواسع على صُنّاع القرار.
كما تؤدي الأبعاد الدينية والثقافية دورًا لا يقل أهمية، خصوصًا في أوساط المسيحيين الإنجيليين، الذين يرون في دعم إسرائيل التزامًا دينيًا لا يقبل الجدل.
لكن هذا الارتباط الوثيق، الذي يُوصف غالبًا بأنه “غير قابل للكسر”، بات يثير تساؤلات أخلاقية متزايدة. فعندما تقصف إسرائيل قطاع غزة، أو تواصل توسيع مستوطناتها في الضفة الغربية، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقع المدافع التلقائي، حتى وإن تعارض ذلك مع المبادئ التي تزعم الدفاع عنها، كالديمقراطية وحقوق الإنسان.
فهل أصبحت الولايات المتحدة رهينة لهذا التحالف؟
وهل تستطيع، بوصفها قوة تدّعي قيادة النظام الدولي، أن تواصل هذا الانحياز من دون أن تدفع ثمنًا سياسيًا أو معنويًا؟
الإجابة تكمن، إلى حدّ بعيد، في فهم طبيعة هذا الارتباط: إنه ليس مجرد تقاطع مصالح، بل التزام أيديولوجي عميق… لا يُساءَل، ولا يعترف بالخسائر.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.