
في حضرةِ غيابِك يا زيادُ، خَفَتَ صوتُ البيانو، وسَكَتَتْ المدينةُ التي اعتادتْ أن تُنْشِدَكَ…
تتنهَّدُ أزقَّتُها بأنغامِك، وتتمايلُ الحجارةُ على إيقاعك…
موسيقاك قالت ما عجزتْ عنه الخطب، وسخريتُك كشفتْ المستورَ، بلا ضَجَّةٍ ولا شَغَب.
رحلتَ يا زياد، ورحل مَنْ كانت قيثارته بندقيةً تُوقِظ ولا تقتل، ونوتاته منابرَ للحالمين، وتراتيله صلواتٍ للعاشقين.
كتبتَ للناس لا للسلطة، وغنَّيتَ للوجع لا للمسرَّة الزائفة، وصغتَ الحقيقة بألحان عاصيةٍ على التزوير.
يا ابنَ الرحابنة!
يا امتدادَ الصدى حين يضيقُ الصمتُ بالحناجر…
كنتَ الصوتَ الذي لا يُشبهه صوت،
والضميرَ الذي لم يُساومه الضجيج.
نَمْ الآن كما يليقُ بآخر الفنانين الشرفاء…
نمْ في سلامٍ لطالما حلمتَ به لوطنٍ أنهكَهُ الحنين…
سلامٍ لم تجده بين جدران هذا البلد،
لكنَّكَ زرعتَه في قلب كلِّ من سمعكَ وقال: “هيدا لبنان”.
ستبقى كلماتك تتردَّدُ في المقاهي،
في المِذياعِ، في الشوارعِ، في ضحكةٍ ساخرةٍ على فنجانِ قهوة، وفي السؤالِ المعلَّق: “شو بعملك إذا هيك؟”.
وداعًا يا زياد…
وداعًا يا ابن لبنان العصيِّ على أعدائه، العنيد على من يريد إخضاعه…
(د. السيد حسين الحسيني)
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.