اخبار ومتفرقات

المشاهد الأكثر ايلاماً من نعش في جنازة.

الذين شجعوا الرفيق زياد في شارع الحمراء اكثر عددا من الذين حضروا الى كنيسة بكفيا.

ليست صدفة.

كان الأفضل أن يُدفن في احد زوايا كنيسة الكبوشية عند شارع الحمراء وبدل الخشخاشة بعيدا عن بيروت و ان يكون هناك ضريحاً وشاهداً مع نَصب تذكاري تقصده الناس لتلاوة سورة الفاتحة او ما يشابهها في الاديان الاخرى .

أسوأ ما في مشهد تشييع زكريا ورشيد و زياد اننا تأكدنا كم كبرنا بشكل محزن فالذين كنا نراهم رشيقين وحيويين وجميلين و انيقين بإغراء واغواء وجدناهم اشخاصا كان لا بدّ لنا ان نسأل من يكونون لنعرفهم؟

توضح المشهد لنا وعرفنا لماذا يندهش البعض باستغراب عندما يروننا بعد سنوات من الفراق.

كم نحن ذبلنا وكم لحق بنا الصدأ وكم تحولنا مِن مِن الى الى ابشع الصور.

ارذل العمر واوقح زمان وبشارة هلاك لا مفرّ منه.

نكرّر اننا لطالما ظننّا ان الموت حق وفي الحقيقة ان الموت صار واجباً.

الرحيل اشرف للذين ما بقي منهم غير الآه والآخ و الذاكرة الضعيفة والهمّة المتداعية.

كلام قاسٍ لأنانا المتعبة التي ما زالت ترشينا ببعض المجاملات والمدح وتخدعنا ان الشيخوخة تصيب الآخرين ولا تمسّنا.

فاز زكريا وربح رشيد ولم يخسر زياد بأن رحل بوجه مشرق وبابتسامة شبابية.

المؤلم في المشهد ان يشهد الاهل موت أبنائهم ما جعلني انتبه لما انتبهت له منذ زمن طويل وأعيده الان:

فهمت عبارة جدتي التي كنّا نسخر منها:

“يا قبّاري،يا تقبرني،يا تبحشلي”

كنّ أذكى منّا بكثير ومن دون دراسات في علم النفس والاجتماع كانوا يطلقون عبارات تختزل تجارب أجيال.

يا “تقبرني” تعني اني لا استطيع تحمّل نبأ موتك في حياتي، يعني اتمنى ان تدفنني انت على ان اشهد دفنك.

يا”تبحشلي” لم تكن الا دعوة لله ان يرحم الام والجدة ان يموتا قبل موت احد من احفادهم او أبنائهم.

ما أصعب ان تدفن ابنك او ابنتك.!

كم كنّا غاليين على من سبقنا ونحن لا ندري.

هذه الحياة وهمٌ لا تستحق ابداً كل هذا التعب والعناء والحزن والاسى والتأسف.

أتفه مما ظننا.

أن ترى حتى من كنّا يثيرون فيك العاطفة وحتى الرغبات الجنسية في اتعس أشكال الوجوه والاجساد صدمة نفسية تنذرك ان تحاول أن لا تصل إلى عمر لا يتناسب مع امكانياتك الجسدية والذهنية. 

خيراً فعلوا ان رحلوا زكريا ورشيد وزياد واقفين كالاشجار.

د.احمد عياش 

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى